25 سبتمبر 2008

العدالة الاجتماعية في الاسلام - 1



العدالة الاجتماعية في الاسلام ، كتاب مهم للعقلية المسلمة المعاصرة، العقلية التي استيقظت و لا يوجد في العالم - باتساع رقعته - تطبيق حقيقي للعدالة الاجتماعية بالمفهوم الاسلامي لهذه العدالة. وليس بعيد أن يستوي قارئ الكتاب بعد إتكاء، وأن يفتح عينيه بعد إغماض، استغرابا مما سيقرأ بين طيات هذا الكتاب! ولا أراني مبالغا فيما أقول، فسياسة الحكم و سياسة المال - محوري العدالة الاجتماعية الأبرز - قد إنحرفا عن النهج الإسلامي منذ وقت مبكر في تاريخ هذه الأمة، وتحديدا منذ استلام بني أمية للخلافة، وبقي كما هو على مر العصور ليترسب في ذهن المسلم بأن التشريع في هذه القضية منعدم أو غير صالح لواقعنا المعاصر. وهو ما سيفنده المفكر الإسلامي "سيد قطب" كما سنرى من خلال هذه القراءة المتأنية لما بين دفتي الكتاب.
.

***.
من حيث الطرح فإن الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام أساسية، القسم الأول يبين فيه المؤلِف سبب المؤلَف. و القسم الثاني يحتوي على الفصول التأصيلية لفكرة العدالة الاجتماعية من المفهوم الإسلامي لها. أما القسم الثالث فقراءة في واقع التاريخ الاسلامي، ما له وما عليه، وكيف حادت الأمة عن الجادة مع بقاء "روح الاسلام" في الضمير العام و ظهوره بين الفينة و الأخرى.

***
هـــذا الكـتـاب
***

يشن سيد قطب في الفصل الأول: الدين و المجتمع بين المسيحية و الإسلام هجوما شديدا على فئتين من الناس، الفئة الأولى تدعي بأن الاسلام هو دينها و لكنها تُقصي هذا الدين من حياتها العملية، والفئة الثانية تدعي بأن الدين مخدر للشعوب ليس إلا. فيرد سيد قطب هاته المقولتان بالدعوة إلى الرجوع إلى نشأتهما ... "ذلك أن قصة العزلة بين الدين و الدنيا لم تنبت في العالم الإسلامي، ولم يعرفها الاسلام، وقصة تخدير الدين للمشاعر لم تكن يوما وليدة هذا الدين، ولم تعرفها طبيعته".
..
فيأخذنا إلى القرون الماضية لنرى كيف نشأت المسيحية في ظل الإمبراطورية الرومانية وكيف أن المسيحية "لم تتمثل هنالك قط في نظام يهيمن على الحياة كلها، و يربط ملكوت الأرض بملكوت السماء" بسبب طبيعة حياة الرومان الذين ورثوا الحضارة الإغريقية المادية الوثنية، فلم يستسيغوا فكرة الدين و ولم يرو أصلحيته للحياة "فقالوا: إن الدين صلة ما بين العبد و الرب".
..
ثم تطورت المسيحية إلى "سلطة مقدسة تملك رقاب الناس في الدنيا و في الآخرة" ، حتى جاء عصر الإحياء في أوروبا وتقتحت الأذهان مما شكل خطرا جسيما على سلطة الكنيسة فقامت تكمم الأفواه وإحراق العلماء، "ومن هنا كانت الجفوة بين الدين و العلم، وبين الكنيسة و الفكر، في حياة الأوروبيين!"
..
ثم تطورت الحياة "و تضخمت رؤوس الأموال، و أصبح في ميدان العمل معسكران منفصلان: معسكر أصحاب رؤوس الأموال، ومعسكر العمال"، فانضمت الكنيسة إلى معسكر رأس المال، و استخدمت الدين لتخدير الطبقات الكادحة و تصدها عن الثورة لحقها. "ومن هنا كان العداء الجاهر الصريح بين الشيوعية و الدين".
..
ثم يقارن سيد قطب هذه النشأة وهذا المسار بنشأة الإسلام ومساره و طريقته، فيوضح لنا أولا كيف أن الإسلام و الحياة جزءان لا يتجزءان عن بعضهما البعض، فالإسلام "لا يعد العبادة فيه هي مجرد إقامة الشعائر، إنما هي الحياة كلها خاضعة لشريعة الله". ثم يبين بأن الإسلام "لا كهانة فيه و لا وساطة بين الخلق و الخالق" و بالتالي "فلا صراع بين علماء الدين و السلطان على رقاب العباد و لا أموالهم" كما كان الحال بين الأباطرة و البابوات.
..
وبعد هذا التبيان، فإن قطب يحدد بدقة السبب الذي من أجله كتب الكتاب، وهو الرد على كل من يدعي بأن النظام الاجتماعي في الاسلام لا يصلح إلا في العصر الذي نزل فيه القرآن. و سنرى و إياكم صدق هذا الادعاء من كذبه في الفصول القادمة..
.
***

تأصيـــل المنــــهج
*** .
قبل الولوج في طبيعة العدالة الاجتماعية يقوم سيد قطب بالحديث عن التصور الإسلامي للألوهية و الكون و الحياة و الإنسان "فليست العدالة الاجتماعية إلا فرعا من ذلك الأصل". والتصور الإسلامي الصحيح عند قطب "لا يلتمس عند ابن سينا أو ابن رشد أو الفارابي وأمثالهم ممن يطلق عليهم وصف (فلاسفة الاسلام)، ففلسفة هؤلاء إنما هي ظلال للفلسفة الإغريقية غريبة في روحها عن روح الإسلام".
.
وفي هذه المقدمة الخاطفة عن طبيعة العلاقة بين الخالق و الخلق، و طبيعة العلاقة بين الكون و الحياة و الانسان، وطبيعة العلاقة بين الانسانية مع بعضها البعض: أفرادا و جماعات و أجيال ... يبين لنا بأن العلاقة بين الخالق و الخلق هي "الارادة المباشرة التي تصدر عنها المخلوقات جميعا، فلا واسطة بينها من قوة أو مادة". و أما العلاقة التي تجمع بين الانسان و والكون و الحياة فهي علاقة تناغم و تكامل"فليس الكون عدوا للحياة ولا عدوا للإنسانية ... وليست وظيفة الأحياء أن يصارعوا الطبيعة". وأما علاقة الانسانية فهي "وحدة تفترق أجزاؤها لتجتمع، وتختلف لتتسق، وتذهب شتى المذاهب لتتعاون في النهاية بعضها مع بعض، كي تصبح صالحة لتتعاون مع الوجود الموحد".
.
أما عن طبيعة العدالة الاجتماعية في الاسلام، فهي ليست مقصورة على التساوي في الرزق، بل "إن العدل المطلق يقتضي أن تتفاوت الأرزاق". وذلك لأن الاسلام ينظر إلى العدالة "نظرة شاملة لكل جوانب الانسانية و مقوماتها، وليست مجرد عدالة اقتصادية محدودة". فهناك إذن قيم أخرى غير الاقتصاد ينظر إليها الاسلام و يحسب لها حسابها و يجعلها هي الميزان الذي توزن به العدالة بين الناس.
.
ثم ينتقل قطب إلى أسس العدالة الاجتماعية في الاسلام، وهي ثلاث، أولها: التحرر الوجداني، من عبادة أحد غير الله فلا يملك أحد على الانسان غير الله سلطان. ونتيجة هذا الايمان أن الفرد لن "يتأثر بشعور الخوف على الحياة أو الخوف على الرزق أو الخوف على المكانة ... وهو شعور خبيث يغض من إحساس الفرد بنفسه" بل لا يجوز شرعا "أن يُذل الاسترزاق رقاب الناس، فإنما رزقهم بيد الله، و بيد الله وحده!". و التحرر الوجداني يشمل كذلك التحرر من عبودية القيم الاحتماعية، كقيم المال و الجاه و الحسب و النسب. فهي قيم قد تشل حركته وقد تزرع فيه شعورا بالعبودية أو شعورا بالاستعلاء، وكلا الشعورين يختفيان عندما يعلم الفرد بأن هذه القيم ليست من وحي السماء ... بل القيمة الحقيقة هي التقوى ... ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم)). وأخيرا فعلى الفرد أن يتحرر من شهوات النفس و لذاتها، وهذه ليست دعوة للزهد في الحياة كما يتوهم البعض فذاك "تفسير المحترفين من رجال الدين في عصور الاستبداد لتنويم الشعور العام، وكفه عن المطالبة بالعدالة الاجتماعية" وإنما "دعوة للتحرر و الانطلاق من ضعف الشهوات و الغرائز٫ ثم لا ضرر بعد ذلك من الاستمتاع بالحياة حين يملكها الانسان و لا تملكه".
.
وثاني أسس العدالة الاجتماعية في الاسلام هو: المساواة الانسانية. فقد جاء الاسلام ليقرر "وحدة الجنس البشري في المنشأ و المصير، في المحيا و الممات، في الحقوق و الواجبات، أمام القانون و أمام الله، في الدنيا و الآخرة، لا فضل إلا للعمل الصالح، ولا كرامة إلا للأتقى". وينطبق هذا الكلام على المساواة بين الجنسين، فقد كفل الاسلام للمرأة "مساواة تامة مع الرجل من حيث الجنس و الحقوق الإنسانية، ولم يقرر التفاضل إلا في بعض الملابسات المتعلقة بالاستعداد أو الدربة أو التبعة". وكذلك "فإن للجنس البشري كله كرامته، التي لا يجوز أن تستذل".
.
أما عن ثالث أسس العدالة فهو: التكافل الاجتماعي. "فللمجتمع مصلحة عليا لا بد أن تنتهي عندها حرية الأفراد" و الاسلام يقرر "مبدأ التكافل في كل صوره و أشكاله. فهناك التمافل بين الفرد و ذاته، وبين الفرد و أسرته القريبة، وبين الفرد و الجماعة، وبين الأمة والأمم، وبين الجيل و الأجيال المتعاقبة أيضا".
.
و بعد هذه الاسس فإن قطب ينقلنا إلى فصل جديد للحديث عن وسائل العدالة الاجتماعية في الاسلام. وهي وسيلتين أساسيتين: أولهما الضمير، فجاء الاسلام يهذب هذا الضمير و يغذيه و يوجهه إلى الغايات الأسمى للوجود. وثانيهما التشريع، الذي من خلاله ينتظم أمر المجتمع. وضرب لنا مثلا في الزكاة للتدليل على كيفية استخدام الاسلام لهاتين الوسيلتين للوصول إلى العدالة الاجتماعية الحقة.
.
***
سياسة الحكم و سياسة المال في الاسلام
***
بعد تأصيل المنهج، يأتي الحديث عن سياسة الحكم و سياسة المال في الإسلام...
.
أما عن سياسة الحكم، فبعد التقرير على أن الحاكمية لله وحده، ولا أحد سواه، ومن ثم التقرير بأنه المشرع وحده، دون سواه: فإن الحكم في الاسلام بعد هذا قائم على الأسس التالية: "العدل من الحكام، والطاعة من المحكومين، والشورى بين الحاكم و المحكوم". و أفرد قطب لكل واحد من هذه الأسس بضع صفحات، و قد ذكر فيما ذكره بأن "ليس هناك مبرر لأن يفهم أحد أن الحكم في الإسلام يحتاج إلى أكثر من تنفيذ الشريعة الإسلامية، بعد إفراد الله سبحانه بحق الحاكمية"، وبرهن على أن ليس للحاكم حق زائد في "الحدود، ولا في الأموال، وليس لأهله حق فيها غير ما لرجل من عامة المسلمين" وهو كلام مهم، خاصة حينما نرى ما نراه من بذخ و سوء تصريف للأموال من قبل حكامنا المعاصرين، وكأن المال مالهم لا مال الله الذي استُخلفوا فيه و حُملوا أمانته... و لكن ليست هذه هي الإشكالية ... المصيبة هي أن ينجح هؤلاء في تخدير العامة وإيهامهم بأن هذا هو حقهم المشروع ... وهو في الإسلام ليس كذلك!
.
وأما عن سياسة المال، فقد شرع الاسلام حق المال على الفرد وهو لا يتجاوز الزكاة عندما تكون الدولة الإسلامية في غنى عن غيره، "ثم جعل للإمام الحق في أن يأخذ بعد الزكاة ما يمنع به الضرر، و يرفع به الحرج، ويصون به المصلحة لجماعة المسلمين، وهو حق كحق الزكاة، عند الحاجة إليه". ومن جانب آخر فقد وجه الاسلام النفس إلى بذل ما هو أكثر من الزكاة "فقد حبب إلى الناس أن ينسلخوا من كل مالهم، و ينفقوه كله في سبيل الله". وأسهب قطب في الحديث عن الملكية الفردية و فريضة الزكاة، وأخيرا ختم الفصل بالحديث عن الفرائض في المال التي تجب غير الزكاة.
.
***
.
وهكذا ينتهي التأصيل للعدالة الإجتماعية من منظورها الإسلامي، و ينتهي الحديث عن سياستي الحكم و المال في الإسلام ... وننتقل بعدها إلى قراءة للواقع التاريخي، ومدى اقتراب الأمة و ابتعادها عن النهج والشرع الذي منَّ الله لها به!
.
وحتى لا يطول الموضوع كثيرا فيصيب القارئ بالسآمة و الملل، وحتى أعطي ما تبقى من الكتاب حقه من الحديث، فقد اخترت أن أفرد له رسالة منفصلة عسى أن أوفق في إكمالها قبل العيد.




21 سبتمبر 2008

الصـــراع الأبـــدي

الصراع الأبدي ليس كتابا تأريخيا مع أنه يتناول أحد أكثر القضايا التاريخية حساسية عند المسلمين، إذ لم يعمد صاحب الكتاب - الدكتور زكريا المحرمي - إلى أسلوب السرد التاريخي المتسلسل الجامد، بل اتجه إلى التحليل و التمحيص و الخروج بتساؤلات و نظريات حول القضايا الخلافية التي يتناولها هذا البحث. ويزعم الكاتب بأنه أسس "منهج كلّي شمولي متكامل لتوجيه القراءة التاريخية نحو آفاق المعرفة السليمة و المنضبطة بعيدا عن رياح العاطفة و هياج التعصب و الطائفية".
.

الكتاب عبارة عن "قراءة تحليلية في جدليات الصراع السياسي بين الصحابة و انقسام المواقف حولها" و يقع في خمسة أقسام رئيسية سنتناول كلا منها على حدة في هذه القراءة السريعة للكتاب.
.
***
.
القسم الأول: تأسيس المنهج
.
وقد يكون هذا القسم هو أهم ما في الكتاب، لأن كل ما سيأتي بعده سيكون تطبيقا للمنهج الذي اقترحه المؤلف في هذا القسم. و أول القضايا المطروحة هي قضية العلم و الظن. فالعلم مقرون بالجزم، أما الظن فيبقى ظن و لا يمكن تأسيس شيء عليه لعدم ثبوته وصعوبة الجزم به. والعلم الجازم نفسه ينقسم إلى قسمين كما قسمه علماء الكلام، العلم الضروري أو البديهي وهو ما جزمنا بصحته بسبب تواتره (كمعرفة البشرية بسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و أن القرآن نزل عليه و أنه كان في مكة)، و القسم الثاني هو العلم النظري أو الكسبي الذي جزمنا بصحته بسبب الأدلة التي دلت عليه (كربانية مصدر القرآن الكريم و التي دل عليها إعجاز القرآن نفسه) وهو ما حول الخبر الآحاد - الذي جاء به محمد- إلى خبر يقيني لا جدال و لا مراء في صحته.
.
ثم ينتقل المؤلف إلى تعريف الخبر المتواتر الذي يشترط فيه العقل و المشاهدة و العدد و استحالة التواطؤ على الكذب. و الخلاف في ثبوت التواتر - بالاضافة إلى العدد الذي يحصل بهم التواتر - هو الشرط الأخير المذكور. إذ يرى الكاتب بأن ما يرويه أصحاب المذهب الواحد - مهما كثر عددهم - لا يرتقي إلى درجة التواتر إذا كان هناك ما يخالفه أو يناقضه عند مذهب آخر ومثّل على ذلك بإمكانية تواطؤ جيش بأكمله على كذبة نصرة لقضية يحارب الجنود من أجلها، ولهذا فإنه يصطلح على مثل هذه الأخبار بالأخبار "المشهورة مذهبيا"، وهي أخبار ظنية الثبوت لا جزم فيها.
.
ثاني القضايا التي أراد المؤلف أن يؤسس لها منهجا جديدا هي قضية الولاية و البراءة. وأهم ما جاء في هذا القسم هو أن الولاية و البراءة - مع فرضيتهما - لا يستلزمان الحب و البغض، و لكنهما يعبران عن "ممارسة عقلية واعية". بمعنى آخر هي ممارسة - أو عدم ممارسة عند الحديث عن البراءة -" لحلف سياسي إجتماعي دون ارتباط هذه الممارسة بالمعاني الوجدانية كالمحبة و المودة أو البغض و الكراهية المتعلقة غالبا بالمواقف الشخصية المجردة". والذي يريده الكاتب من هذا التعريف هو" فهم و استيعاب سيكيولوجيا احتراب الصحابة،و تفسير كثير من المواقف التي حدثت في تلك الحقبة من الزمن"
.
أما ثالث قضية فهي الصحابة و القول في عدالتهم. وقد استفاض المؤلف في هذا الفصل مناقشة مفهوم الصحابة عند أهل الحديث، و رد عليهم ما استدلوا به من القرآن و السنة النبوية القول بعدالة كل فرد من أفراد الصحابة لأنه - أي عند الكاتب - "وقوع في فخ قدسية الأشخاص وهو عين القول بالعصمة و إن لم يصرح بها". غير أن المؤلف يعود فيأكد على عدالة عموم الصحابة و إلا لما وصل الشرع إلينا بالعلم اليقيني المتواتر، لأن "عدالة المجموع يشكل سدا أمام أية محاولة لتشويه الشريعة وتحريف نصوص الكتاب".
.
ثم يعرج الكاتب إلى قضية الرسول صلى الله عليه و سلم و الإنباء بالغيب، وخلاصة المنهج الذي يريد الكاتب تأسيسه في هذا الفصل هو عدم قبول المرويات التي جاءت من خلال كتب السنة النبوية تُنبئُ بالغيب، لتعارضها الصريح مع ما جاء في القرآن بأن علم الغيب خاص بالله عز و جل. والذي يمكن قبوله مما نسب إلى الرسول هو ما جاء إستقراء للواقع وتخمينا للنتائج.
.
وأخيرا يخبرنا الدكنور زكريا في آخر هذا الفصل بأنه إختار منهج "القواعد الكلية" للتعامل مع النصوص التشريعية، وهو منهج "يستوعب جميع المبادئ التي قامت عليها المناهج السابقة (أي منهج التعامل الحرفي مع النصوص، ومنهج القياس الشرعي، و منهج استظهار المقصد الشرعي) ويقوم بالريط بينها و بصورة تكاملية تتجاوز الخلل و النواقص في كل منها".
.
***
.
القسم الثاني: القراءة التاريخية للأحداث السياسية في عصر الصحابة
.
من خلال المنهج الذي أسسه الدكتور زكريا في القسم الأول، فإنه يطوف بنا في جولة طويلة ومتأنية للأحداث الرئيسية التي اختلف فيها الصحابة (و المذاهب الاسلامية فيما بعد) منذ وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم إلى بيعة الحسن بن علي. فيبدأ ببيعة أبي بكر الصديق و الشبه التسع المثارة حول إمامته. ثم إلى خلافة عمر بن الخطاب و الشبه الأربع المثارة حول خلافته و سيرته.
.
ثم انتقل الكاتب إلى خلافة عثمان بن عفان وما وقع فيها من أحداث، و جادل في هذا الفصل المطاعن التي طُعنت على عثمان بن عفان كإحراق المصاحف وضرب عمار بن ياسر و عبدالله بن مسعود و أبي ذر الغفاري ونفيه. كما تحدث عن الأسباب الحقيقة للثورة على عثمان ثم تحدث عن مقتله، و نبه على أنه - من خلال استقراء الأحداث - فإن حادثة مقتل الخليفة " ليست بالضرورة مرتبطة بأحداث الثورة و رموزها"، فقد كان من قادة الثوار من يعارض فكرة حصار بيت الخليفة - كالأشتر النخعي - كما أن حادثة إغتيال الخليفة نفسها قد قيدت" في سجلات محكمة التاريخ ضد مجهول".
.
بعدها انتقل إلى خلافة علي بن أبي طالب، وناقش حرب الجمل ثم معارك صفين و النهروان، وأسهب في الحديث عن أهل النهروان - القراء - ولماذا سموا بهذا الاسم، وكيف ان عملية وصفهم بالخوارج ما كان إلا "في سياق الحرب التعبوية التي شنها علي بن أبي طالب ضد خصومه المنشقين عن قبائلهم حين خرجوا عن جيشه"، ورد كذلك على وصف بعض المؤرخين لأهل النهروان - ولو من باب الإعذار - بالحماقة و السذاجة و الجلافة فالحقائق التاريخية تدل على أنهم لم يكونوا كذلك بل تدل على كونهم "امتدادا لفقهاء الصحابة". ثم قام المحرمي باستقراء و تحليل الأسباب الحقيقية وراء معركة النهروان التي لم يستفد منها أهل النهروان أنفسهم و لا علي ابن أبي طالب بل كان معاوية بن أبي سفيان هو المستفيد الأوحد و الأكبر منها، فلا يستبعد بأن يكون معاوية الذي قال: "لقد حاربت عليا بعد صفين بغير جيش و لا عناء" قد استخدم أحد قادة جيش علي (الأشعث بن قيس) و الذي شكك بعض الباحثين في ولائه لعلي، لتفتيت جبهة جيش العراق من الداخل.
.
وقد ناقش المحرمي أيضا قصة المخدّج و علاقته بأهل النهروان، فالرسول صلى الله عليه و سلم لا يتنبأ بالغيب كما أُسس في القسم الأول، وغاية ما يقال في هذه الحديث و الذي جاء في بعض رواياته خاليا "من تلك الزيادات المتكلفة والتي تزعم علم النبي صلى الله عليه و سلم" هو استقراء النبي "ظهور طبقة المحتالين الذين يدعون الحديث باسم الاسلام وهو منهم براء". كما أن علي بن أبي طالب قد عرف عنه بأنه كان يقول الحديث إما نقلا عن الرسول و إما دعاية حربية، وأنه كان يفرق فيما بين الاثنين بقوله " صدق الله و رسوله" إن كان قوله دعاية حربية، وهو ما ثبت قوله لهذه العبارة عندما رأى المخدج، و" رواية علي لرواية المروق بعد قوله (صدق الله و رسوله) لا علاقة لها بشخصية المخدج". ثم اختتم الحديث في هذا الفصل بما ثبت عن ندم علي بعد قتله لأهل النهروان ثم مقتله و الدراما المسرحية التي استخدمت لإلصاق تهمة مقتله ببقايا أهل النهروان، و أخيرا بيعة الحسن بن علي و الصلح مع معاوية.
.
ولا يفوتني أن أشير بأن المحرمي قد طرح تساؤلا مثيرا حول حقيقة الدور الذي قام به مروان بن الحكم و إن كان "أحد مدبري الفتنة العظيمة التي طحنت الأمة الاسلامية إلى يومنا هذا؟ ربما!" ... "غريب أمر مروان هذا؟ الكل اتهمه بتوريط الخليفة السابق - عثمان بن عفان - بسياسات مالية و إدارية أدت إلى إلى مقتل الخليفة، و اتهمه ابن تيمية بتوريط الخليفة عن طريق تلفيق كتاب بقطع رؤوس وفد مصر، و اتهمته السيدة عائشة بمحاولة تفريق الزبير و طلحة و قالت له " "مالك؟ اتريد أن تفرق أمرنا" ، وها هو الآن يطلق صواريخ أسهمه نحو طلحة الذي خرج معه و تركه في منتصف الطريق، ماذا يريد مروان؟ ولماذا يشارك في كل هذه الفتن؟ لمن يعمل مروان و ما هي أهدافه الاسترتيجية؟"
.
***
.
أما الأقسام الثلاث الأخيرة فتتحدث بشيء من التفصيل عن الصحابة عند مدارس أهل السنة و الجماعة ثم عند مدارس الشيعة و أخيرا عند المدرسة الاباضية.
.
***
.
الكتاب يستحق الوقت الذي قضيته في قراءته، لأنه يطرح تساؤلات، و التساؤلات بطبيعة الحال تدعو إلى التفكير، و التفكير يدعوك إلى التعمق في الموضوع و بالتالي تتحرك النفس باتجاه البحث و التحري و أخيرا الوصول إلى نتائج و قناعات.

13 سبتمبر 2008

عـبـدالـرحـمـن منـيـف (1933 - 2004) {الجزء الأول}


"إنه وادي العيون ..."
.
كانت هذه العبارة أول عهد لي مع الروائي الكبير عبدالرحمن منيف في ملحمته الرائعة "مدن الملح". كنت قد قرأت الرواية و أنا في سن لا يسمح لي بفهم أبعاد الرواية و مراميها، فقرأتها كرواية فقط ليس إلا. ومع ذلك فقد أخذت الرواية لبي و صرت كالحالم، جسده مع الناس و كيانه في مكان آخر تماما. كان - في حلمي - يترائ لي متعب الهذال و هو يطلق النار من بندقيته فرحا بالمولود. كنت أراه وهو يمتطي ناقته العمانية البيضاء يجوب الصحراء، يظهر فجأة و يختفي فجأة. كانت نفسي و مشاعري تغضب حين يغضب و تفرح حين يفرح، كيف لا وهو يمثل الشخصية التي كانت نفسي تتوق إلى تقمصها ؟!
.
كنت مع الدكتور صبحي المحملجي وهو في مكتبه في الصحراء - التي أصبحت شبه مدينة أو قل صحراء مشوهة - يخطط و يحلم، كنت معه وهو في أحد المدن الأوروبية يهذي و لا يلوي على شيء بعدما تحطمت خططه و أحلامه و آماله.
.
استطاع هذا الروائي بعمله أن يقنعني دون مشقة - مع صغر سني - بأن هناك روايات أخرى غير القصص البولوسية، تعطيك من التشويق و الإثارة ما لا تستطيعه روايات الخيال العلمي. فكانت مدن الملح سببا لقراءات أخرى و مضامير جديدة لم أكن لأجرؤ على دخولها أو اقتحامها لولا هذه الرواية. أعدت قراءة مدن الملح و قرأت بعدها كل أعمال منيف الروائية، اللهم إلا رواية "أم النذور" التي لم أحصل عليها إلا مؤخرا. فكان لكل رواية طعم و أبعاد و آثار في النفس تعجز الكلمات عن وصفها.
.
***
.
كانت تلك مقدمة لا بد لي منها لأبين سبب العلاقة الحميمية التي تجمعني بهذا الكاتب الكبير، و السبب الذي يجعلني أحتفي به بعد مرور أربع سنوات على وفاته، وهي كلمات لا توفي حقه و لا تصور ما شعرت به حقا ولكنها بضاعة مزجاة لتلك المشاعر الجميلة، وعرفانا بقدر الروايات التي قرأتها و كاتبها الذي برع في التأليف الروائي.
.
***
.
ولد عبدالرحمن منيف - لأب و أم نجديان - عام 1933 في مدينة عمّان بالأردن ونشأ فيها و ترعع إلى أن أكمل دراسته الثانوية. و يبدو أنه قد ربطته علاقة وثيقة جدا بهذه المدينة - بعد ذلك بفترة - فقد كتب كتابا حول "سيرة مدينة" حيث كانت عمّان محور الكتاب و موضوعه. وفي حواره الأخير كان قد سُئل عن مدى ارتباطه بعمّان في تلك الفترة، فقال:" في هذه الفترة التي نتحدث عنها, كان من الصعب أن يكون للإنسان ارتباط حقيقي بعمّان، فهي كانت أقل من أن تربط الناس و كانت الروابط الأخرى، الخفية ربما، هي الأقوى كالأسرة و العشيرة و المكان الذي قدم منه الناس و الأقرباء الذين كانوا يشكلون الإطار العام".
.
بعد عمّان، انتقل منيف إلى العراق عام 1952 ليكمل دراسته الجامعية ولكنه طرد منها:"غادرت بغداد في ديسمبر من عام 1955 وكنت في السنة الثالثة في كلية الحقوق. و للتوضيح، قبل ذلك بفترة وجيزة، في الصيف و بعد توقيع حلف بغداد، ألقي القبض علي مع مجموعة من الطلاب العرب ممن كان عليهم ملاحظات أو كانوا مناوئين للسلطة، و أودعنا السجن لبضعة شهور ثم طردنا بشكل جماعي"
.
كان منيف من أولئك الذين يرفضون السلطة بأي شكل من الأشكال ويناوؤن الأنظمة الظالمة مهما تقربت منه تلك السلطة و تلك الأنظمة، و ذلك لارتباط السلطة - بشكل عام - بالقهر و التعذيب و الديكتاتورية."كنا نخاف من السلطة كسلطة و نحاول جاهدين أن نبقى على مسافة منها"
.
بعد بغداد انتقل منيف إلى القاهرة ليكمل دراسته و منها إلى بلغراد ليحصل على شهادة الدكتوراه في اقتصاديات النفط. عمل في دمشق و من ثم في لبنان، ثم رجع مرة أخرى إلى العراق عام 1975م. بعدها غادر منيف إلى فرنسا عام 1981 ليكرس نفسه للكتابة. وكانت محطته الأخيرة دمشق التي بقي فيها من عام 1986 حتى جاءته المنية في مثل هذا اليوم عام 2004.
.
كتبت هذا الموضوع في الحارة العمانية يوم ٢٣ يناير ٢٠٠٨م وأعدت نشره هنا بقليل من التصرف.

10 سبتمبر 2008

زمن الخيول البيضاء


(أنا لا أقاتل كي أنتصر بل كي لا يضيع حقي.لم يحدث أبدا أن ظلت أمة منتصرة إلى الأبد. أنا أخاف شيئا واحدا: أن ننكسر إلى الأبد، لأن الذي ينكسر إلى الأبد لا يمكن أن ينهض ثانية، قل لهم احرصوا على ألا تهزموا إلى الأبد)
خالد الحاج محمود
*****
منذ متى لم تقرأ أيها القارئ الكريم رواية ملحمية فلسطينية إلى النخاع ؟ و منذ متى لم تقرأ رواية تحكي الحكاية الفلسطينية من الداخل و من البداية ؟
*****
إبداع جديد نقرأه لإبراهيم نصرالله في ملهاته الفلسطينية الجديدة. و لكن هذه المرة بأسلوب آخر غير الرموز كما كان قد عودنا في الروايات الخمس السابقة، فكان أسلوبه بسيطا و مباشرا: عرض التاريخ و الوقائع على الأرض. التاريخ بأحداثه المؤلمة و المحزنة و المفرحة، التاريخ بأحداثه التي تبعث بالحماس و الأخرى التي تبعث باليأس.
لقد اختصر نصرالله 125 سنة من التاريخ في 506 صفحات، كل صفحة منها تدعوك للتأمل و تشدك للصفحة التي تليها ... وفي كثير من الأحيان الصفحة التي تسبقها كذلك! وهذه الرواية تحديدا هي التي بدأ بها مشروعه الكبير الذي سماه "الملهاة الفلسطينية" و لكنه و لأسباب ستتبدى لنا عندما نقرأ الرواية نجد أنه بدأ بهذه الرواية عام 1985 و لكنه أصدر 5 روايات قبلها و من ثم جاءت زمن الخيول البيضاء ليتوج بها عمله الروائي الكبير، و لتصبح الجزء الأخير من الملهاة بدلا من الجزء الأول كما كان يخطط.
يقول نصر الله:" كنت أظن أن هذه الرواية هي الملهاة الفلسطينية"
وبالفعل هي كذلك! لأن الرواية تناولت القضية في مراحلها الثلاث الرئيسية، الفترة العثمانية ثم فترة الاحتلال البريطاني ثم فترة الارهاب الصهيوني و انتهاء بالنكبة. وفي كل مرحلة من هذه المراحل نرى كيف كان الانسان الفلسطيني مرتبط بأرضه راضيا و متمسكا بها و لا يريد شيئا غيرها مهما كان الثمن!
وفي الرواية أبعادا أخرى غير التاريخ ... و البعد الذي أقصده هو الانسان بكل تناقضاته الداخلية و مستوياته الثقافية و تقلباته المزاجية ... في الرواية نغوص في أعماق الانسان الثائر و الانسان الخائن و الانسان الحائر و الانسان الضعيف و القوي و الذكي و الأحمق و نرى الشجاع و الجبان و ... الخ الخ الخ، ينكشف لنا الانسان وهو في أضعف حالاته و في أقواها، وكأن الانسان الذي كان بالأمس يختلف عن ذلك الذي أصبحه في اليوم الذي يليه.
ولا أدري حقيقة كيف استطاع نصر الله الغوص بتلك الدقة و ذلك العمق! فهو لم يكتف بالانسان الفلسطيني فقط، و لكنه توسع ليكشف لنا المحتل على حقيقته، بل و كشف لنا كيف تاه أولئك الذين حملوا راية المقاومة يوما و كيف توهوا الانسان الفلسطيني بشعاراتهم المضللة التي كانوا يرفعونها.
****
الخيل و قرية "الهادية" هما العنصران الملازمان للرواية من أولها إلى آخرها.
أما الخيل فكانت هي التي ترسم بطولات الرجال و آثارهم و أما الهادية فكانت القرية التي أفرخت ثائرا بعد آخر و التي صمدت أمام آل عثمان و أمام الانجليز و أمام العصابات الصهيونية ... حتى سقطت في النهاية بسبب الاتفاقات التي رعتها الأمم المتحدة و بيانات القادة العرب ... وكان ثمن صمودها الطويل الكثير من التضحيات و كثيرا من الألم.
وأما الشخصيات فكثيرة، و كل واحد من تلك الشخصيات يمثل شريحة من الانسان الفلسطيني. ولو حاولت تتبع كل شخصية على حدة لضيعت عليكم متعة الغوص في أغوار الرواية بأحداثها التي تحكي قصة شعب كان في تلك الأرض في يوم ما.
وأما "الحمامة"، فإنها الخيل التي تلازمنا خلال الرواية بأكملها، فإن لم تكن في الأحداث فإن طيفها يبقى في الأسطر، ولا يمكن فصلها عن الرواية لانها هي الرواية ...
*****
من الصفحة الأخيرة:
"عمي يا أبو الفانوس نوِّر لي عا العتمة
خوفي الطريق يطول يابا
ويطول معك همي
ويطول معك همي
انحدرت شلالات الدمع على وجه منيرة و أحفادها و عفاف و أولادها و حسين و أولاده و أم الفار، الذين كانوا قد تجمعوا في صندوق تلك الشاحنة البيضاء.
دوت عدة انفجارات، التفتوا، فإذا بالنار تلتهم عددا من بيوت القرية. حدقت العزيزة التي كانت تبكي بصمت مسندة وجهها إلى الحافة الحديدية للصندوق. كانت إحدى القنابل قد سقطت في بيت أبيها، اندلعت النار فيه و سقطت قنبلة أخرى فاشتعل برج الحمام.
راحت تراقب النار التي تتصاعد ملتهمة البرج وما فيه، وعندها رأت ذلك المشهد الذي لن تنساه أبدا...
كان الحمام يطير محترقا، قاطعا مسافات لم تفكر يوما أن حماما بأجنحة مشتعلة يمكن أن يبلغ نهاياتها، وحيثما راح يسقط في البساتين و الكروم و السهول المحيطة كانت نارا جديدة تشتعل. وحينما وصلت العربات إلى تلك النقطة العالية التي تتيح للناس مشاهدة الهادية للمرة الأخيرة، كانت ألسنة الحرائق تلتهم الجهات الأربع."
*****

The Day of the Jackal



I was walking around a library in Malesya when I found a shelf selling "classic" books. This book caught my eye immediately, so I took it & skimmed through the back cover. I wondered what does the Jackal mean? Why is this book sold on a shelf that is presented infront of the entrance? What does Charle's DeGole have to do anything with a novel?
I took the book without knowing anything exept what I read in the cover, never heard of the author (Frederick Forsyth) & never thought I was entering a new world of thrillers!
Since my native language is Arabic not english, I had difficulties understanding the first chapter, especially with the small letters used in the edition I baught. However since I am a book cruncher, I absorbed it and thought of continuing the read ... one chapter was not enough to judge a book isnt it ?!
Once i got into the thrilling part of the novel, i just couldn't stop reading. To me this was a new reading. I never really read a crime thriller before this book (unless anyone concideres "The Broker" one). I had a lot of difficulties coping up with what was happening around me in real life. Meals were easily passed just to complete a chapter, rides using the tram were just too short since they didnt allow to complete a section..... everything was moving too fast!
I know I havent spoken about the novel yet, but anyways i wasnt planning to do so! I just wanted to give a taste of how enjoyable the read was & would not like to spoil the fun of exploring such a book & the fun of trying to think ahead of the Jackal! :)