14 أبريل 2010

بل أنت العربي يا حمزة!





فغض الطرف إنك "عربي" *** فلا "حمزة" بلغت ولا "إماما"!


أحل علينا الداعية الشيخ حمزة يوسف - الأمريكي المولد والنشأة والتعليم - البارحة في المنزل مع زميل له، أمريكي أيضا لقبه الشيخ "بالإمام زيد"، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الحضور المتعطش لسماع بعضا من الكلمات الوعظية والدعوية التي ترفع الهمم الروحانية والوجدانية. غير أن الضيف الكريم أبى إلا أن يفاجئنا بمفاجأة من العيار الثقيل، فبدلا من الحديث الدعوي العام قام يحدثنا حديثا ذا شجون حول أمرين أشغلا تفكيره وهو يجوب المشرق العربي: اللغة العربية، وتربية الأجيال الناشئة.

كيف يمكن للشعوب العربية أن تغترب في لغتها وهي أجمل لغات أهل الأرض؟! لماذا الإصرار والتركيز على تنشأة الأطفال والاهتمام بإجادتهم للغة الانجليزية ونهمل تماما وعاء الثقافة والدين بحجة أن ضرورة العصر تتطلب إتقان لغة الغرب؟ أي أمة تنشأ بغير لغتها مصيرها الضياع لا الارتقاء، لأن ثقافتها وهويتها آيلة إلى الزوال والذوبان السريع في ثقافة المستعمر الأجنبي، بكل ما في تلك الثقافة من انحلال وانحراف وهبوط ومادية مفرطة.

اللغة العربية، لغة القرآن ولغة أهل الجنة، تستدعي أكثر من مجرد اعتزاز وفخر ممن لا يعرف قيمة ما يفتخر به، والمناهج التربوية في معظم الدول العربية - حسبما يرى حمزة يوسف - تغمط العربية حقها عندما تركز كثيرا في النحو ولا تلتفت إلى الصرف - مثلا - وإلى جماليات اللغة العربية والمعاني العميقة التي جاء بها الشعراء في مختلف العصور. ولذلك كانت النتيجة أجيال لغتها ركيكة ضعيفة لا تعين صاحبها على شيء سوى كلام المعصرات. عند الغرب مثلا - لا يمكن أن تجد من لا يعرف شيكسبير مهما كانت درجة التعليم التي تلاقاها الفرد، فشيكسبير أيقونة لغوية مهمة، ولكن عندنا في المشرق ترى طلبة جامعيون لا يعرفون من هو المتنبي أو الكسائي أو غيرهم من رموز اللغة، مع أنهم عرب أقحاح ورموزهم اللغوية يشكلون لبنة من لبنات تكوينهم المعرفي والثقافي... أتحفنا حمزة يوسف بنماذج من غرائب اللغة العربية وجمالها، بل قل إنه أحرجنا بضحالة معرفتنا وغزارة علمه وهو أمريكي بدأ تعلم العربية في سن متأخرة!

بعد الضربة النفسية الأولى - التي أصابتنا في مقتل - انطلق حمزة يوسف للحديث عن التربية: تربية الرجولة والخشونة!
تخيلوا معي المشهد، أمريكي نشأ في عائلة ميسورة الحال في بلاد بلغت من الرفاهية والتقدم ما لم تبلغه أيا من المجتمعات على مر التاريخ، جاء يحذرنا نحن أبناء من تربى آباؤنا على ظهور الأنعام وعلى افتراش الأرض والصخر من مغبة الانجرار وراء دعة العيش والنعمة المفرطة، فينصحنا بمقولة ابن الخطاب الشهيرة: اخشنوا واخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم! (عاش حمزة مع البدو لسنوات، فعرف طباعهم وخبر أثر تربيتهم الخشنة في تقوية الجسد وتعويده على تحمل المشاق والصعاب والأثر الإيجابي الذي يخلفه ذلك على طباع النفس البشرية).

تكلم الشيخ كثيرا في تلك الجلسة، وعقب عليه الإمام زيد بمداخلات لا تقل أهمية وروعة، ولا يسعني أن أذكر تلكم التفاصيل الدقيقة التي أضافت الشيء الكثير في أذهان الحضور. ولكي تكتمل الصورة في ذهن القارئ أقول: كان الحضور في أغلبه ممن انجر وراء الثقافة الغربية في حديثه وفكره، ولم يحضر إلا كون أن المتحدث سيتحدث بلغة يفهمها: هي اللغة الانجليزية، فكان حديث الشيخ رمية أصابت رميتها، فكنا في ذلك المجلس وكأننا نحن الأجانب وهو العربي الأصيل بيننا!