12 سبتمبر 2009

دستور العقل


أحد محاور الخلاف في الساحة الإباضية اليوم هو العقل وضوابط استخدامه. وبغض النظر عن التفسيرات المختلفة لماهية العقل وكيف يمكن كبح جماحه دون إقصائه أو إطلاقه دون انفلات لجامه، فإنني موقن بأن هناك ما يمكن اعتباره دستورا يحل الإشكال و يوجه الأنظار والنقد إلى نتاج العقل لا إلى كيفية استخدامه ونتجاوز بذلك جدلية العقل لننتقل إلى "الفكرة" ننقدها في ذاتها ونرى مدى توافقها لقواعد الدين وأصوله.

وقعت صدفة على كلام لسماحة الشيخ في تقريظ له لأحد الكتب، كان قد كتبه قبل أكثر من عشرين عاما، أي قبل أن يكون للخلاف الحالي أثر في حكمه على الأمور. فقيمته - في رأيي - أنه كلام أصيل، أي أنه قيل توضيحا لمنهج لا ردا على شبهة، ولا يستطيع أحد اعتباره ردة فعل "غير متوازنة"، بل هو نهج واضح المعالم محكم البنيان سار عليه أسلافنا الأخيار، وهو قائم على أسس قرآنية متينة وقواعد أصولية ثابتة.

أقول بأن كلامه يمكن أن يعتبر دستورا لما فيه من اختصار و ما يحويه من منطق، ولأنه استقاء مباشر من منهل النصوص الشرعية، وهو - قبل كل شيء - التزاما بنهج ومنهج الأوائل. فليتنا نعيه ونلتزم به عملا وفكرا. وأتمنى أن يكون سببا في تجاوز الإشكالية ومنطلقا لإعمال العقل فيما يهم الأمة ويشغل بالها لاستخراجها مما هي فيه ودفعها نحو الأمام فكريا واجتماعيا واقتصاديا وفلسفيا.

يقول سماحة الشيخ:

"وإن من يمعن نظره في التراث الإباضي الفكري - متجردا عن العوامل النفسية، والمؤثرات الوراثية - يدرك كل الإدراك أن الإباضية أكثر فئات هذه الأمة اعتدالا، وأسلمها فكرا، وأقومها طريقا، وأصحها نظرا، وأصفاها موردا ومصدرا.

فهم لم يُلقوا بالعقل في زوايا الإهمال لأن الله خاطب بوحيه أولى الألباب ونعى على قوم لا يستخدمون عقولهم في فهم الحق ودرك الحقيقة، ونادى عليهم بالخذلان، وسجل عليهم بالخسران، كما هو واضح في كثير من آيات الفرقان. غير أنهم لم يرفعوا العقل فوق مستواه، ولم يعطوه أكثر مما يستحق، فلم يؤثروه على النص، وإنما جعلوه وسيلة من وسائل فهم مراده، وتعيين مقاصده، قطعا أو ظنا، وهم في كل ذلك ينطلقون من فهم عميق للغة النص التي تستخدم تارة في حقيقتها وأخرى في مجازها حسبما تقتضيه أصولها مراعين في ذلك جميع القرائن والأحوال التي تعين على تشخيص المراد".

انتهى كلام الشيخ وكلامه واضح لا يحتاج إلى تأويل، فالمقصود بـ"النص" - أي القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابتة - واضح، والهدف من فهم مراد "النص" وتعيين مقاصده أيضا واضح. فليتنا نعض على هذا الدستور بالنواجذ وننطلق منه لاستكشاف حِكَم القرآن ومكنونات الأرض و أسرار السماء بدلا من البحث عن الزلات، ولوم هذا وذاك، ونعت بعضنا البعض بما لا يرضي الله، ولا يأتي سوى بالضغائن، ويؤدي إلى تشتيت و تشويش أولوياتنا الفكرية و الدعوية و الخطابية، فتزل أقدامنا بعد ثبوتها ويذهب ريحنا ويندرس في النهاية ذكرنا.

أخيرا أقول، أن أستخدم عقلي ثم أكتشف خطئي، خير لي من أن لا أستخدمه على الإطلاق!

11 سبتمبر 2009

رواية شيكاجو


لا أذكر بأنني قرات رواية ذات أربع نهايات كلها مؤسفة ولا تحمل بارقة أمل أو سعادة فيها اللهم إلا هذه الرواية ... رواية "شيكاجو" لعلاء الأسواني.

تتحدث الرواية عن بعض المفارقات التي نجدها في دواخل الناس، الطلبة - عمود المجتمع - الذين يدرسون في الخارج تحديدا. صوَّرهم علاء الأسواني بعدستين. الأولى تحكي تصرفاتهم اليومية الظاهرة للكل، و الثانية حقيقة ما يفكرون به أو ما يقومون به في الخفاء أو من خلف ستار دون تأنيب من ضمير ولا شعور بالخجل. بدا وكأن الرسالة التي أراد إيصالها الأسواني من خلال أحداث الرواية هي أن الكل - مهما بدا نقاؤه- يحمل في طيات نفسه ما يخالف ظاهره، ويتناقض معه، وبالتالي فإن كل من يدعي طهارة المجتمع هو إنسان واهم ولا يرى الواقع على حقيقته!

رأينا أربع شخصيات رئيسية في الرواية لكل منهم قصة منفصلة إلى درجة أنك تشعر بأنك تقرأ أربع روايات مختلفة لا رواية واحدة، و لكن قصصهم تتداخل في لحظة ما في الرواية. الشخصية الأولى تمثلت في طالبة جاءت من الريف المصري المحافظ ولا تعرف شيئا غير الحشمة و الستر و الحفاظ على الشرف، فكيف انتهى بها الحال في آخر الرواية؟! وطالب يصلي صلواته بكل خشوع ولكنه أيضا يستمتع بما يستمتع به الرجال بعد الفراغ من صلواته! و شيخ في الظاهر، ولكن رجل مخابرات لئيم في الواقع، يبيع كل شيء لمعبوده الذي لا يعبد سواه: المال ... والزوجة! وزوجة تفاجأ بزوج لا يحمل في قلبه ذرة إيمان أو حياء أو رجولة تريد الطلاق منه ولكن لا تستطيع لاعتبارات عائلية و اجتماعية!

رواية أختلف في واقعيتها، أي أنني لا أؤمن بأنها تمثل أي واقع، وأختلف أيضا في أسلوب طرحها للقضايا التي أراد الكاتب إبرازها. ولكن لا يعني هذا أنها غير ممتعة، فأحداثها تجذبك إلى صفحاتها الأخيرة وتجعلك - عندها - إما ممتعضا أو متسائلا!