31 ديسمبر 2008

رسالة إلى سفير مصر في سلطنة عمان



لا تعتقد - سعادة السفير - بأن ما قاله بن علوي في تصريحه الصحفي عقب اختتام القمة الخليجية في مسقط سيغير من واقع الحقيقة شيء. ولا تعتقد، أيضا، أن ما قاله الوزير يمثل الشارع العماني أو الشارع العربي، فالسفير هنا يمثل الأقلية الرسمية لا الأكثرية الجماهيرية و الشعبية. فالشارع العماني و الشارع العربي أصبح أكثر إقتناعا من ذي قبل بتواطئ الحكومة المصرية و مشاركتها للجريمة الصهيونية بغزة. وهي و إن كانت في السابق عكاز العرب – كما قال معالي الوزير – فإنها اليوم العمود الضائع في المعادلة العربية الاسرائيلية.

أرجو أن لا تغضب من هذا الكلام، فما أقوله لا يخرج عن إطار الحقيقة التي ظهرت لنا من خلال المواقف المتأخرة لهذا البلد العظيم بشعبه و تاريخه لا بحكومته. سيدي السفير، كل المؤشرات تقول بأن هناك مؤامرة مصرية إسرائيلية قذرة تحاول طمس فكرة المقاومة و إنهاء حكم حماس في غزة، و لا يهمها إن كان ثمن ذلك هو أرواح الأبرياء من المسنين و النساء و الأطفال ما دامت الأحداث تصب في صالح الحزب الحاكم و مباركة الولايات المتحدة الأمريكية له. وقد أكد لنا سيادة الرئيس مواقف مصر عندما قال بأن المعابر لن تفتح إلا بعد عودة الشرعية إلى غزة، ناسيا أن الشرعية الحقيقية هي حماس التي جاءت من خلال صناديق الاقتراع التي لم يشكك في صحتها أحد، و أن الانقلابيون الحقيقيون هم الرافضون لنتائج الانتخابات والساعون لتغييرها بقوة السلاح و التآمر مع العدو الصهيوني، أي عباس و فياض و من سار في فلكهم.
أحاول سيدي السفير أن أبحث لكم عن مبررات و أسباب، ولكنني كلما تعمقت أكثر كلما أدركت كم أن حزبكم الحاكم غارق في غيه و ضلاله و استهتاره بأرواح الغزيين الشرفاء، بل اكثر من ذلك و أسوأ هو محاولة تبرير ما تفعلونه بأنه في صالح القضية الفلسطينية وهو ليس كذلك لأسباب ستأتي في متن هذه الرسالة.

تقول المعادلة بأن صديق صديقي صديقي، و صديق عدوي عدوي. وهذه المعادلة و إن كانت محاولة لتبسيط قضايا كبيرة غير أن لها معاني عميقة في توضيح استراتيجيات التحالفات و العداوات بين الدول. فمثلا، أن يبارك بوش دور مصر في هذه الازمة، مع العلم بأن الأمريكان بالذات شدوا علي أيدي الإسرائيلين و قالوا لهم: امضوا فيما أنتم فيه و نحن من ورائكم نكف عنكم ضغوطات المجتمع الدولي، يعني بكل بساطة أن دور مصر كان يصب في مصلحة الحتلال الصهيوني لا في مصلحة الاشقاء الفلسطينيين!

هذا من جانب، ومن جانب آخر أود تذكيركم بتهديدات وزير خارجيتكم – وهو بالمناسبة يفتقر لكل أنواع الدبلوماسية التي يتحلى بها وزراء الخارجية في العام – عندما قال: سنكسر أرجل الفلسطينيين إذا ما حاولوا دخول مصر عن طريق رفح! و أذكرك بقيام أجهزتكم الاستخباراتية باعتقال كوادر حماس في محاولة لانتزاع اعترافات منهم حول مكان الجندي الاسرائيلية الأسير جلعاد شاليط! و أذكرك بقصة منع دخول المساعدات إلى الفلسطينيين عندما كانوا في أمس الحاجة إليها! بل و منع وصول الامدادات الغذائية لمناطق الحدود في رفح لكي لا يجد الفلسطينييون ما يشترونه بحر مالهم إذا ما تجاوزا المعابر! ولا تنس سيدي السفير تهديدات ليفني في مصر ووقوف أبو الغيط بجانبها كشيطان أخرس لا يحركه امتهانها لكرامة مصر وكرامته شخصيا في أخزى و أسوأ مشهد يمكن لمصري أن يراه في حياته ... وزيرة خارجية العدو تهدد إخوان العروبة و الإسلام دون أن يكون هناك من يردعها أو يرد عليها!

الحديث يا سعادة السفير ذو شجون، وقد تركت عامدا الكثير من الأحداث لكي لا أطيل عليك و أنا أعلم ما بك من غيض اتجاه ما تقرأ، ولكن ثق بأن ما تقرأه يمثل رأي الغالبية العظمى من هذه الشعوب التي كانت تتوقع من مصر الإسلام و مصر العروبة موقفا يختلف جذريا عما اتخذته من مواقف خلال السنوات القليلة الماضية. وليكن في علمك سعادة السفير أننا نتمنى انقلابا في مصر ... لا انقلابا ضد الحكومة – ولو أنه خيار ربما لا مفر منه إن استمررتم بنفس الخط المريب هذا – ولكن الذي أقصده هو انقلابا في المواقف و انقلابا في الاستراتيجية، فلا نظنكم – كحزب حاكم – جاهلون مدى الضرر و العار الذي ألحقتموه بأنفسكم من خلال هذه القراءة الخاطئة لما سيخلفه دوركم السلبي في هذه الأزمة. فكل المؤشرات و كل القراءات تقول بأنكم الخاسر الأكبر مما يحصل، لأن خسارتكم ليست مقتصرة على خسارة ثقة الشارع الفلسطيني فقط، ولكنها أيضا خسارة للعمق الحقيقي الذي تستطيعون الاستناد إليه إن انقلبت الموازين و تغيرت الوقائع السياسية على الأرض
.