23 أبريل 2009

الخمر و النبيذ في الإسلام



لم أكن لأهتم باقتناء هذا الكتاب لولا حصل ما حصل في زيارتي الأولى إلى المعرض. كنت قد لقيت أحد الاخوة الذين تعرفت إليهم قريبا، فتبادلنا حديثا مختصرا عن المعرض، وفجأة قطع حديثنا وجه مألوف ... دخل بصخب – كعادته – و أصر أن يهدي كتابا لمحدثي. كان عنوان الكتاب "الخمر و النبيذ في الاسلام" ...

رفض س.ح قبول الكتاب على الرغم من إلحاح صاحب الوجه المألوف، فما كان منه إلا الالتفات إلي و إهدائي الكتاب ... قبلت ... فإصراره و رفض صاحبي شدني إلى معرفة ما يحويه الكتاب. وصار أنني كسبت شيئين بقبولي للكتاب ... الكتاب نفسه، و صاحبٌ جديد اسمه معاوية الرواحي ... أو المهذون!

شرعت في قراءة الكتاب في الليلة ذاتها متوقعا أن أجد فيه دراسة جادة و عميقة في موضوع الخمر و النبيذ في الإسلام، فعلي القرني – المؤلف- أوهمنا في مقدمته بأن هذه الدراسة هي دعوة "إلى العودة لقراءة التراث الإسلامي بتعدده، ومن ثم الخروج من الذهنية المنغلقة على قشور ثقافة الماضي الأحادية إلى ذهنية ابتكارية تعددية لا تقبل أي حدود فكرية"، ولكن من يقرأ الكتاب يجد بأن ما يتصل بالدعوى أعلاه، لا يتجاوز عشرين صفحة، والباقي عبارة عن اقتباسات لحكاوي الخمارين و السكارى ومن هم على شاكلتهم في مختلف العصور و الأزمنة، وكأن ذكر هذه القصص خروج عن الذهنية المنغلقة، أو هي تشريع لما اتفق عليه من التحريم!

الهدف الآخر الذي أراده المقري في هذا الكتاب كما يزعم: "أردت من خلال إيراد بعض المغيب عنوة من النصوص المرجعية الإسلامية، أن أبرهن على وجود تعدد في وجهات هذه النصوص، وتعدد آخر في تفسيرها و تأويلها و شرحها يصل أحيانا إلى حد التناقض الذي يتيح إمكانية القول إن الشيء ذاته حلال بمعيار وجهة ما، وحرام بمعيار وجهة أخرى". وهذا الكلام صحيح ولا خلاف عليه، بل و أتفق معه جملة و تفصيلا، ولكنه في الحقيقة أكبر من متن الكتاب الذي إن عدنا إلى مصادره وجدناها هزيلة ضعيفة تصب في الاتجاه الذي أراده الكاتب فحسب ولا تمثل آرآء فقهاء الإسلام، ككتاب "الأشربة وذكر اختلاف الناس فيها" و "قطب السرور في أوصاف الخمور" و "نهاية الأرب في فنون الأدب".

يقع كتاب "الخمر و النبيذ في الإسلام" في ستة فصول، الأول تعريف بالخمر و النبيذ. و الثاني يتناول الخمر – كثقافة – في عصور ما قبل الإسلام. و الثالث عنوانه "الخمر و النبيذ في الإسلام". والرابع عن التداوي بالخمر و النبيذ. و الخامس و السادس عن الخمر و المجون في العصرين الأموي و العباسي بالتوالي.

وما يهمنا حقيقة في هذه القراءة السريعة أن نشير إلى بعض ما استند عليه المقري في هذا الكتيب للاستدلال على "اختلاف العلماء حول حرمة الخمر". وقد أشار المقري إلى ثلاثة أمور – وهي مستوحاة من شخصيتين أشار إليهما الكاتب، أحدهما هادي العلوي، و الثاني صاحب كتاب "الأشربة وذكر اختلاف الناس فيها" واسمه ابن قتيبة الدينوري – هي،

أولا: أن آية الاجتناب، ((يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون))، إنما أنزلت "تحبيذا للامتناع عن شرب الخمر، روعيت فيه الاعتبارات الشخصية للفرد" فهي – أي الآية – لم تصرح بالتحريم وكذلك لم تشر إلى عقوبة لشارب الخمر ولذلك لا يعول عليها في التحريم.

والثاني: أن الآية ((ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا و آمنوا)) تدل على تخفيف اللهجة وحصول نوع من التسامح اتجاه شارب الخمر، خاصة و أنها نزلت بعد آية الاجتناب.

و الثالث: أن الآية التالية – وهي من أواخر ما نزل من القرآن – لم تذكر الخمر ضمن المحرمات في الطعام، ((قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتا أو دما مسفوحا أو لحم خنزير)).

هذا بعض ما أورده المقري في كتابه، وهي نقاط – كما أظن – واهية لا تصمد أمام الحقيقة الجلية الواضحة، أن تحريم الخمر إنما جاء على مراحل و أن آية الإجتناب إنما جاءت في ختام هذه المراحل، وسياقها لا يدل إلا على التحريم لا كما نقل المقري. و أما الآية الثانية فقد نزلت عندما سأل الصحابة رسول الله – بعد نزول آية التحريم – عن أصحابهم الذين ماتوا وهم يشربون الخمر قبل التحريم، كيف يكون حالهم؟ فكان أن نزلت هذه الآية لتدلل على أن لا حرج عليهم بعد أن آمنوا و اتقوا. وأما الآية الأخيرة فقد جاءت في سياق، ونزعها من سياقها يخل بفهمها، فهي جاءت أولا في معرض الحديث عن الأنعام، ثم إنها كانت ردا على الذين حرموا بعض ما في بطون هذه الأنعام على إناثهم و أزواجهم، جاءت ردا على افترائهم و تأكيدا على أن لا حرام من هذه الأنعام على آكل يأكله إلا ما جاء في سياق الآية. فكيف إذن يستخدمها المقري هذا الاستخدام الشنيع للتدليل على ما لم تشر إليه الآية أصلا؟!

في النهاية أقول، إذا ما كانت هناك فائدة من هذه القراءة، فلن تكون إلا في شيئين. الأول معرفة ماهية الخمر و استخداماتها و المصطلحات المتعلقة بها. و الثاني هو الكشف عن الحقيقة المؤسفة لكثير من "الخلفاء الأمويين و العباسيين" الذين حفل بهم المقري بنوادرهم الخمرية في كتابه هذا، مستخدما مجونهم للتدليل على أن في حدود الخمر وحرمتها خلاف، فواأسفا على مثل هؤلاء الخلفاء ... و على من سار في دربهم إلى هذا اليوم!

هناك تعليق واحد:

  1. احسنت ...
    قراءة رائعة جدا ....
    و انا قرأت الكتاب ايضا ...
    و اتفق معك فيما ذكرت ...
    كما اذكرك بتفسيره الواهي لحديث ما اسكر كثيره فقليله حرام ...
    شكرا لك

    ردحذف