قبل خمس سنوات تقريبا... وقفت في أحد قاعات التدريس في الجامعة أمام جمع من المهندسين و الأساتذة لألقي خطاب الجمعية الأمريكية لمهندسي الميكانيكا. كان قد اختارني الفريق لأتحدث نيابة عن الفرع العماني للجمعية في حفل لتوزيع الجوائز على الفرق التي فازت في منافسة تصميم منزل "ذاتي القدرة" على الاستمرار بالطاقة المتجددة، دون الاعتماد على الطاقة المصنعة.
وقفت أمام الجمع الصامت، وفي داخلي غضب هادر ومشاعر ملتهبة. كنت في أحد الحالات التي لا أستطع فيها لجم داخلي - الثائر - من الظهور إلى السطح، وحين يحصل ذلك تختفي كل حسابات النتائج و العواقب ولا تركيز إلا على فعل ما يرضي ضميري. كان القرار قد اتُّخذ قبل بضع ساعات من الحفل ولم يكن هناك مجال للتراجع، ولم أكن لأفعلها حتى وإن رأيت مشنقة أمامي، فقد كنت مستعدا للذهاب بعيدا، بل وبعيدا جدا، ولم يكن ليردعني خوف.
كان الحفل في يوم الأحد في الثامن عشر من شهر إبريل لعام 2004، أي بعد يوم واحد من إغتيال الصقر القسامي الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، وبعد حوالي أسبوع من إغتيال الشهيد المقعد الشيخ أحمد ياسين. كان حبي لهاتين الشخصيتين عظيما لما يمثلانه من رمزية في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، و لصمودهم الأسطوري في سبيل القضية الفلسطينية دون أن يتزعزعوا قيد أنملة خلال مشوارهم الجهادي الطويل. ولهذا كان غضبي قد بلغ مداه إثر سماعي لخبر الاغتيال الثاني، ولم أكن لأترك منبرا دون التحدث عنهما والهجوم على الإرهاب الصهيوني و الأمريكي المساند له، وهذا ما فعلته بالضبط أمام جمع المهندسين و الطلبة في الحفل الآنف الذكر!
كان وقع كلامي - الذي تفاجأ به الجميع دون استثناء - كوقع الماء البارد على الوجوه. صمت مطبق خلال الحديث المنبري، وخلال الأمسية، وبعد الانتهاء منها! لم يعلق أحد على ما قلت، ولم أحصل حتى على تأييد ضمني أو تربيت على كتف من أحد من الحضور، بل ولا على توبيخ ينبهني إلى خطأ ما قمت به، اللهم إلا من هيئة التدريس في وقت لاحق من ذلك الأسبوع. صمتهم هزني، لأنه قطع علي سبيل الدفاع عما قمت به، ووضعوني في حالة شك: هل كنت على صواب باختياري لذلك المنبرللحديث عن شيء كنت أظنه يهم الحضور؟ هل أخذ بي الحماس بعيدا عن موازنة الأمور بمنطقية و إتزان؟ ...
قبل بضعة أيام، وأنا أقلب في أوراقي القديمة، وجدت قصاصة من الورق بها الخطبة التي ألقيت، أضعها أمام القراء الكرام ليخبروني ما لم يقله الحضور في ذلك اليوم: هل كانت شجاعة مني أم حماقة؟!
وقفت أمام الجمع الصامت، وفي داخلي غضب هادر ومشاعر ملتهبة. كنت في أحد الحالات التي لا أستطع فيها لجم داخلي - الثائر - من الظهور إلى السطح، وحين يحصل ذلك تختفي كل حسابات النتائج و العواقب ولا تركيز إلا على فعل ما يرضي ضميري. كان القرار قد اتُّخذ قبل بضع ساعات من الحفل ولم يكن هناك مجال للتراجع، ولم أكن لأفعلها حتى وإن رأيت مشنقة أمامي، فقد كنت مستعدا للذهاب بعيدا، بل وبعيدا جدا، ولم يكن ليردعني خوف.
كان الحفل في يوم الأحد في الثامن عشر من شهر إبريل لعام 2004، أي بعد يوم واحد من إغتيال الصقر القسامي الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، وبعد حوالي أسبوع من إغتيال الشهيد المقعد الشيخ أحمد ياسين. كان حبي لهاتين الشخصيتين عظيما لما يمثلانه من رمزية في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، و لصمودهم الأسطوري في سبيل القضية الفلسطينية دون أن يتزعزعوا قيد أنملة خلال مشوارهم الجهادي الطويل. ولهذا كان غضبي قد بلغ مداه إثر سماعي لخبر الاغتيال الثاني، ولم أكن لأترك منبرا دون التحدث عنهما والهجوم على الإرهاب الصهيوني و الأمريكي المساند له، وهذا ما فعلته بالضبط أمام جمع المهندسين و الطلبة في الحفل الآنف الذكر!
كان وقع كلامي - الذي تفاجأ به الجميع دون استثناء - كوقع الماء البارد على الوجوه. صمت مطبق خلال الحديث المنبري، وخلال الأمسية، وبعد الانتهاء منها! لم يعلق أحد على ما قلت، ولم أحصل حتى على تأييد ضمني أو تربيت على كتف من أحد من الحضور، بل ولا على توبيخ ينبهني إلى خطأ ما قمت به، اللهم إلا من هيئة التدريس في وقت لاحق من ذلك الأسبوع. صمتهم هزني، لأنه قطع علي سبيل الدفاع عما قمت به، ووضعوني في حالة شك: هل كنت على صواب باختياري لذلك المنبرللحديث عن شيء كنت أظنه يهم الحضور؟ هل أخذ بي الحماس بعيدا عن موازنة الأمور بمنطقية و إتزان؟ ...
قبل بضعة أيام، وأنا أقلب في أوراقي القديمة، وجدت قصاصة من الورق بها الخطبة التي ألقيت، أضعها أمام القراء الكرام ليخبروني ما لم يقله الحضور في ذلك اليوم: هل كانت شجاعة مني أم حماقة؟!
( لصورة أوضح للخطبة أدناه ... اضغط هنا)