من الواقع التاريخي في الإسلام - ١
تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن الفصول التأصيلية للعدالة الاجتماعية من منظورها الإسلامي كما يراها قطب. وفي هذا الجزء سنسلط الضوء على نماذج من الواقع التاريخي للمسلمين كما جاء في الكتاب ... ويشكل هذا الفصل وحده ربع الكتاب، وأهميته نابعة من النماذج المختارة والتي لا تدع مجالا للشك في عظمة هذا الدين، وفعله الجبار في نفوس الأولين والذين جاؤوا من بعدهم.
.
و قد ارتأيت أن أتحدث عن هذا الفصل في جزئين منفصلين. الأول نذكر فيه الملامح العامة لهذا الفصل وما اشتمل عليه، ثم أختم هذه القراءة في الجزء الثاني بالتركيز في ما عرف بمرحلة "الفتنة" من التاريخ الإسلامي، و تسليط الضوء على قراءة قطب لتلك الحقبة وما تبعها.
.
لنقرأ سويا ما جاء في هذا الفصل ...
.
***
.
الشخصية الإسلامية
.
من المهم أولا أن نفهم رؤية قطب للبطولات التي صاحبت الشخصية الإسلامية في مختلف مراحلها... يقول قطب: "هناك ما يصح أن نطلق عليه باطمئنان : ((روح الإسلام))!" ... وهذا الروح هو السر الذي أنجب للإسلام "كل هذا الحشد من الشخصيات العجيبة".... "هذا الروح هو الذي يرسم الأفق الأعلى الذي يتطلب الإسلام من معتنقيه أن يتطلعوا إليه، و أن يحاولوا بلوغه، لا بتنفيذ الفرائض و التكاليف فحسب، ولكن بالتطوع الذاتي لما هو فوق الفرائض و التكاليف"...... "أما دراسة هذه البطولات و الخوارق مفرقة، دون وصلها بهذا المنبع الأصيل٫ فأخشى أن تكون ناقصة و مضللة عن الحقائق الأساسية في الكون و الحياة، برجعها سر عظمة كل شخصية إلى عبقرية خاصة بها، و إهمال الروح الأول المشع المؤثر، ذلك الروح الذي مس أرواح الأبطال، كما مس عجلة الزمن، وطبائع الأحداث، و دفعها جميعا في تيار حي قوي جياش، تنغمر في لجه العبقريات و الوقائع و الأحداث"
.
بعد هذا يستوقفنا قطب للحديث في "شأن آخر أعمق في ضمير الإسلام" وهو "اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على ضمير الفرد، و الحساسية المرهفة التي يثيرها في شعوره". ثم يذكر لنا نماذج متفرقة للتدليل على هذه اليقظة، فيذكر لنا ماعز و المرأة الغامدية و "الباعث القوي الذي غلب في أنفسهما على رغبة الحياة". ثم قصة عزل خالد بن الوليد عن إمارة الجيش في الشام - وهو الذي لم يهزم في معركة قط - و كيف تلقاها بروح المؤمن المحتسب "فبقي في المعركة بالعزيمة ذاتها"، ومن جانب آخر الباعث الذي جعل عمر بن الخطاب يأمر بهذا الأمر، فقد "أخذ على خالد في خلافة أبي بكر أشياء ثار لها ضميره، وهاجت له حساسيته" وهو تسرع خالد في قتل مالك بن نويرة و إعراسه بإمرأته و أيضا زواجه من ابنه مجاعة في حرب مسليمة الكذاب و قد قتل ألف و مئتين من خيرة الصحابة.
من المهم أولا أن نفهم رؤية قطب للبطولات التي صاحبت الشخصية الإسلامية في مختلف مراحلها... يقول قطب: "هناك ما يصح أن نطلق عليه باطمئنان : ((روح الإسلام))!" ... وهذا الروح هو السر الذي أنجب للإسلام "كل هذا الحشد من الشخصيات العجيبة".... "هذا الروح هو الذي يرسم الأفق الأعلى الذي يتطلب الإسلام من معتنقيه أن يتطلعوا إليه، و أن يحاولوا بلوغه، لا بتنفيذ الفرائض و التكاليف فحسب، ولكن بالتطوع الذاتي لما هو فوق الفرائض و التكاليف"...... "أما دراسة هذه البطولات و الخوارق مفرقة، دون وصلها بهذا المنبع الأصيل٫ فأخشى أن تكون ناقصة و مضللة عن الحقائق الأساسية في الكون و الحياة، برجعها سر عظمة كل شخصية إلى عبقرية خاصة بها، و إهمال الروح الأول المشع المؤثر، ذلك الروح الذي مس أرواح الأبطال، كما مس عجلة الزمن، وطبائع الأحداث، و دفعها جميعا في تيار حي قوي جياش، تنغمر في لجه العبقريات و الوقائع و الأحداث"
.
بعد هذا يستوقفنا قطب للحديث في "شأن آخر أعمق في ضمير الإسلام" وهو "اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على ضمير الفرد، و الحساسية المرهفة التي يثيرها في شعوره". ثم يذكر لنا نماذج متفرقة للتدليل على هذه اليقظة، فيذكر لنا ماعز و المرأة الغامدية و "الباعث القوي الذي غلب في أنفسهما على رغبة الحياة". ثم قصة عزل خالد بن الوليد عن إمارة الجيش في الشام - وهو الذي لم يهزم في معركة قط - و كيف تلقاها بروح المؤمن المحتسب "فبقي في المعركة بالعزيمة ذاتها"، ومن جانب آخر الباعث الذي جعل عمر بن الخطاب يأمر بهذا الأمر، فقد "أخذ على خالد في خلافة أبي بكر أشياء ثار لها ضميره، وهاجت له حساسيته" وهو تسرع خالد في قتل مالك بن نويرة و إعراسه بإمرأته و أيضا زواجه من ابنه مجاعة في حرب مسليمة الكذاب و قد قتل ألف و مئتين من خيرة الصحابة.
.
قطب و محمد حسين هيكل
.
يقف سيد وقفة مطولة لمناقشة ما قاله هيكل في كتابيه "الصديق أبو بكر" و "الفاروق عمر" حول اختلاف الرأي بينهما في إبقاء خالد أو عزله، إذ يرى هيكل "أنه كان اختلافا في السياسة التي يجب أن تتبع في هذا الموقف" فعمر "يرى أن خالدا عدا على امرئ مسلم، ونزا علة امرأته قبل انقضاء عدتها، فلا يصح بقاؤه في الجيش حتى لا يعود لمثلها فيفسد أمر المسلمين" و أما أبو بكر " فكان يرى أن الموقف أخطر من أن تقام لمثل هذه الأمور وزن" ... ثم يرد قطب على هذه المقولتين و تفصيلهما فيقول:"هذه قولة رجل لم تمس روحه روح أبي بكر ولا روح عمر، ولم تستطع حياته في جو الإسلام فترة أن تنتزعه من ملابسات القرن العشرين، وما فيه من التواءات و احتيالات و انتهازات فرص على حساب الضمير أو حساب الحق أو حساب الدين". ثم يدافع عن عمر و أبي بكر "مثل هذا قد يصنعه ملوك بني أمية أو ملوك بني العباس، ويعده الناس منهم دهاء و سعة حيلة، فأما عمر فلا، وأما أبو بكر فلا كذلك. وإنما يظن بعضهم بهما هذا الظن لضحالة روح العصر و هبوط مقاييسه و معاييره!"
يقف سيد وقفة مطولة لمناقشة ما قاله هيكل في كتابيه "الصديق أبو بكر" و "الفاروق عمر" حول اختلاف الرأي بينهما في إبقاء خالد أو عزله، إذ يرى هيكل "أنه كان اختلافا في السياسة التي يجب أن تتبع في هذا الموقف" فعمر "يرى أن خالدا عدا على امرئ مسلم، ونزا علة امرأته قبل انقضاء عدتها، فلا يصح بقاؤه في الجيش حتى لا يعود لمثلها فيفسد أمر المسلمين" و أما أبو بكر " فكان يرى أن الموقف أخطر من أن تقام لمثل هذه الأمور وزن" ... ثم يرد قطب على هذه المقولتين و تفصيلهما فيقول:"هذه قولة رجل لم تمس روحه روح أبي بكر ولا روح عمر، ولم تستطع حياته في جو الإسلام فترة أن تنتزعه من ملابسات القرن العشرين، وما فيه من التواءات و احتيالات و انتهازات فرص على حساب الضمير أو حساب الحق أو حساب الدين". ثم يدافع عن عمر و أبي بكر "مثل هذا قد يصنعه ملوك بني أمية أو ملوك بني العباس، ويعده الناس منهم دهاء و سعة حيلة، فأما عمر فلا، وأما أبو بكر فلا كذلك. وإنما يظن بعضهم بهما هذا الظن لضحالة روح العصر و هبوط مقاييسه و معاييره!"
.
ويستمر قطب في ذكر نماذج علو الروح الانسانية في ضمير المسلم، فيصور لنا مشهد عمر بن الخطاب و هو يحمل قربة ماء على ظهره في السوق، وعندما يسأل يقول "أعجبتني نفسي فأحببت أن أذلها". ثم يذكر علي بن أبي طالب "وهو يرعد من البرد في الشتاء، ثم قصة أبو عبيدة مع جنده في عمواس و قد أصابها الطاعون فيرفض أن يترك جنده لننجاة بجلده .... وكلها أمثلة للتأكيد على حياة ضمير أولئك الأوائل، وكيف فعل الاسلام فيهم فعلته، فكانوا خير أمة أخرجت للناس!
.
ويستمر قطب في ذكر نماذج علو الروح الانسانية في ضمير المسلم، فيصور لنا مشهد عمر بن الخطاب و هو يحمل قربة ماء على ظهره في السوق، وعندما يسأل يقول "أعجبتني نفسي فأحببت أن أذلها". ثم يذكر علي بن أبي طالب "وهو يرعد من البرد في الشتاء، ثم قصة أبو عبيدة مع جنده في عمواس و قد أصابها الطاعون فيرفض أن يترك جنده لننجاة بجلده .... وكلها أمثلة للتأكيد على حياة ضمير أولئك الأوائل، وكيف فعل الاسلام فيهم فعلته، فكانوا خير أمة أخرجت للناس!
.
نماذج العدالة الاجتماعية
.
أما عن نماذج العدالة الاجتماعية في الإسلام، فقد أورد قطب عدة موضوعات رئيسية منها انبثقت هذه النماذج، وهذه الموضوعات هي:
أما عن نماذج العدالة الاجتماعية في الإسلام، فقد أورد قطب عدة موضوعات رئيسية منها انبثقت هذه النماذج، وهذه الموضوعات هي:
١- الرقيق و معاملتهم
٢- معاملة الأعلين من الناس
٣- معاملة البلاد المفتوحة
٤- الرحمة و البر و التكافل الاجتماعي
.
ولم تقتصر النماذج على العصر الذهبي أو الذي يليه كما قد يتبادر إلى الذهن، بل اشتملت على نماذج متفرقة من التاريخ الإسلامي منذ عصر النبوة إلى التاريخ القريب من عصرنا هذا. وكل هذه النماذج تشير إلى أن الخير باق في الأمة، ولكن نحتاج لمن يبرزها للناس لكي تتطلع نفوسهم إلى بلوغ ذلك العلو الذي وصل إليه ليس الصحابة فحسب، ولكن أناس مثلهم حولهم و بينهم، وصلوا إلى ما وصلوا إليه بضميرهم الإسلامي اليقظ الحساس!
ولم تقتصر النماذج على العصر الذهبي أو الذي يليه كما قد يتبادر إلى الذهن، بل اشتملت على نماذج متفرقة من التاريخ الإسلامي منذ عصر النبوة إلى التاريخ القريب من عصرنا هذا. وكل هذه النماذج تشير إلى أن الخير باق في الأمة، ولكن نحتاج لمن يبرزها للناس لكي تتطلع نفوسهم إلى بلوغ ذلك العلو الذي وصل إليه ليس الصحابة فحسب، ولكن أناس مثلهم حولهم و بينهم، وصلوا إلى ما وصلوا إليه بضميرهم الإسلامي اليقظ الحساس!
.
***
***
.
في الجزء الثالث من هذا المقال ستكون القراءة منحصرة في المنطقة المحظورة من التاريخ الاسلامي كما ذكرت من قبل، و سيتركز الحديث حول سياستي الحكم و المال بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم. وقد وجدت هذه الصفحات المتبقية أكثر حرارة من غيرها، لأن سيد قطب خالف فيها بعض المسلمات التي سلمت بها بعض الفرق الاسلامية في قراءتها للتاريخ الإسلامي. بل إن آرآء قطب التي سنذكرها في الجزء الثالث كانت بابا لهجوم شرس على سيد قطب نفسه!
في الجزء الثالث من هذا المقال ستكون القراءة منحصرة في المنطقة المحظورة من التاريخ الاسلامي كما ذكرت من قبل، و سيتركز الحديث حول سياستي الحكم و المال بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم. وقد وجدت هذه الصفحات المتبقية أكثر حرارة من غيرها، لأن سيد قطب خالف فيها بعض المسلمات التي سلمت بها بعض الفرق الاسلامية في قراءتها للتاريخ الإسلامي. بل إن آرآء قطب التي سنذكرها في الجزء الثالث كانت بابا لهجوم شرس على سيد قطب نفسه!
.
يقول إبن باز تعليقا على ما جاء في كتاب "كتب و شخصيات" لقطب، و قد أورد فيه كلاما شبيها بالذي أورده في كتابنا هذا: "كلامه في الصحابة خبيث، و يجب أن تمزق كتبه"!
..
فما الذي قاله قطب ؟ و لماذا أغضب رأيه علماء السلفية الحديثة تحديدا ؟ هل في كلامه مخالفات حقا ؟ أم أن رأيه المضبوط البنيان و القوي الحجة شكل خطرا على ما حاول "وعاظ السلاطين" على مر التاريخ رسخه في العقل الجمعي للمسلمين؟
فما الذي قاله قطب ؟ و لماذا أغضب رأيه علماء السلفية الحديثة تحديدا ؟ هل في كلامه مخالفات حقا ؟ أم أن رأيه المضبوط البنيان و القوي الحجة شكل خطرا على ما حاول "وعاظ السلاطين" على مر التاريخ رسخه في العقل الجمعي للمسلمين؟
.
هذا ما سنقرأه سويا في الجزء الثالث من هذه القراءة ...
هذا ما سنقرأه سويا في الجزء الثالث من هذه القراءة ...
فكرة المدونة جميلة ، و ثقافة صاحبها واضحة من اختيارات الكتب .
ردحذفتحياتي لك
أحمد كمال،
ردحذفهذا من حسن ظنك بي ... أشكرك على المرور. يسعدني نقدكم البناء!
تحياتي لك أيضا :)