19 نوفمبر 2009

السلطة في الإسلام (ج1) - 1


" ... لعبت السلطة – بشكل مباشر في بعض الأحيان – دورا جبروتيا طاغيا في تشكيل العقل، لا أقول العقل السياسي الإسلامي فحسب، بل العقل الجمعي الإسلامي العام. وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى ما يقدمه هذا البحث من أطروحات حول إشكالية السلطة، هذه الإشكالية التي تكمن في رأينا خلف معظم المعضلات التي تثخن جسد الحضارة الإسلامية بالجراح، على مستوى العقيدة و الفكر و العلم، والسياسة و الاقتصاد و الاجتماع، بل وعلى مستوى السيكولوجيا واللغة و الفن و الجمال"

كتاب السلطة في الإسلام للمستشار عبدالجواد ياسين كتاب دسم في مادته غني في محتواه معقد في تراكيبه، لم يقصر الكاتب فيه الحديث عن السلطة فحسب ولكنه ولج إلى العقل الفقهي السلفي - العقل المكوِّن لفلسفة السلطة كما نعرفها و نراها اليوم، بل العقل المكوِّن للعقل الإسلامي الجمعي إذا صح التعبير - وقدم إليه بكل جرأة ناقدا ومحللا.

يقدم المستشار قراءة نقدية تدعوا إلى وقفات جدية ومراجعة شاملة للمنهج و التصور الذي عمل به المسلمون في علم الأصول، فيأخذنا إلى مكامن فكرية جديدة بهدف إعادة تشكيل و تصحيح بعض الإشكالات الأصولية - كما يرى - متخذا تصحيح بعض المصطلحات و المفاهيم مدخلا لذلك، فيعيد تعريف مصطلحات كـ "الإسلام" و "السلف" و "النَّص" و "الإلزام" و "السنة". ثم يقدم مراجعة شاملة لتصورات خاطئة استقر عليها عقل المسلم في القرون العشرة الأخيرة بسبب السلطة أو نتاج قهرها.

لا شك بأن قضية السلطة من القضايا المحورية عند البشر بشكل عام، ولكنها تأخذ طابعا وجدانيا عند المسلمين بسبب ارتباط بعض الآرآء العقدية بها ارتباطا عضويا تكامليا، ولأنها كانت محور الافتراق المذهبي وانقسام الأمة انقساما نزفت بسببه كثيرا من الدماء.

وإذ يحق لي اقتباس جملة و أدعي بأنها ملخص المنهج الذي يطرحه الكاتب، فستكون هذه الجملة: "لقد قرأنا بعض الأحاديث في كتب السنة الصرف فلم نفهمها، فلما قرأناها في كتب التاريخ فهمناها، كما قرأنا أحاديث في كتب السنة الصرف فقبلناها، ثم قرأناها في كتب التاريخ فلم نقبلها".

كان قرار الكتابة حول الكتاب ليس سهلا، لخشيتي بأن تكون قراءتي مخلة لمادة الكتاب ، ولكني عقدت العزم على أمل تسليط الضوء فقط على ما جاء فيه دون أن أعد القارئ بأنه سيجد في هذه القراءة السريعة محتوى الكتاب بأكمله، وإن كان هناك خلل في ترابط الأفكار أو وضوحها فذلك خطأ أرجعه إلى قلمي.

فما هي السلطة إذن؟ وما دخل التاريخ بها؟ وما دخل التاريخ بالنص؟ وما هو "قانون النص" الذي يزعم الكاتب بأنه القانون الذي غفل عنه علماء الأصول على مر التاريخ؟

دعونا نقرأ سويا ...

* * *

المقدمة

عندما يتكلم المستشار عبدالجواد ياسين عن السلطة، فهو يتكلم عن الجانب "الشكلي" منها لا الجانب الموضوعي، "إذ ليست القضية في الحقيقة، ولم تكن قط، هي أن يحكم الإسلام أو لا يحكم، فذلك تحصيل حاصل لحقائق الإسلام الثابتة في النص والتاريخ على السواء". ولأن الكلام عن السلطة منطلق من المنظار الإسلامي له، أي من خلال نصوص الإسلام التشريعية، فإن المستشار يقدم تصوره للمنهج الذي يجب اتباعه لاستخراج "حكم الإسلام" في شكل السلطة.

"هل في الإسلام أجكام ملزمة، تعين شكل الحكومة، أو تشير إلى هيكل النظام السياسي في الدولة؟" هذا هو السؤال الذي منه يلج المستشار إلى كتابه. ويبدأ بتوضيح ثلاثة مفاهيم أساسية لكي "ينضبط على نحو محدد": مفهوم الإسلام، ومفهوم الإلزام، ومفهوم الشكل.
  • مفهوم الإسلام: إسلام النص وليس إسلام التاريخ. أي الإسلام النابع من الكتاب و السنة الصحيحة الثابتة، لا ما شرعه التاريخ بسلطته (ستتضح هذه الفكرة لاحقا).
  • مفهوم الإلزام: إن كان الاسلام هو "النص" أي الكتاب و السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله، فإن الإلزام لا يكون إلا على ما أتى فيه نص. وأما ما لم يأت فيه نص فالسكوت عنه نصا كذلك. أي أن تعمد سكوت الشارع عن قضية معينة يعني أنها تقع في دائرة المباح وليس من الإنصاف وضعها تحت دلالات أو تصنيفات كالندب أو الكراهة أو ما سواهما، لأن "السلف" هو واضع هذه التصنيفات لا النص، والسلف ليس هو المشرع بل النص.
    وللتدليل على هذه الفكرة فإن المستشار يضع أمامنا مسألة عزل الإمام "للفسق أو للظلم أو للفساد"، وكيف أن تحريم الخروج عليهم أو عزلهم جاء من منطلق " أن السلف كانوا ينقادون لهم، ويقيمون الجمع و الأعياد بإذنهم ولا يرون الخروج عليهم"، ولا يوجد بطبيعة الحال "نص" يؤيد هذا الحكم ولكنه جاء نتيجة الإذعان لفعل التاريخ – أو السلف !
  • مفهوم الشكل: "الخلافة – كمحتوى موضوعي – وبغض النظر عن إلزامية الإسم، هي فريضة لازمة بنصوص الإسلام. أما الخلافة – كنسق شكلي – فلا وجود لها في نصوص الإسلام. ولا وجود لها كذلك في تاريخه. لأن الذي أفرزه التاريخ في الحقيقة لم يكن نسقا شكليا واحدا و مضطردا، بل أنساقا متعددة ومختلفة في الجملة و التفصيل".


ثم يختم المستشار هذه المقدمة بتوضيح "أن السلطة لم تتشكل من خلال النص، وإنما تشكلت من خلال التاريخ. ليس ذلك فحسب بل إن تاريخ السلطة – من خلال "التنصيص السياسي" – قد لعب دورا جزئيا في تشكيل النص"! ولكي يستطيع تجاوز هذه الإشكالية – إشكالية التنصيص السياسي – كان منهج الكاتب هو قراءة السلطة في النص على ضوء التاريخ، ثم قراءة السلطة في التاريخ على ضوء النص. وبهذا المنهج فإن ما لم يفهم من النص المقروء في كتب السنة الصرف يصبح مفهوما عندما يقرأ في سياق كتب التاريخ.

يتبع...

هناك تعليقان (2):

  1. أخي سعيد
    السلام عليكم ورحمة الله

    كتاب مثير ومهم
    اعتقد ان الموضوع له علاقة بالفرق بين الدين والتقاليد

    ومن المهم ان لا نتبع مسلكا معينا لمجرد انه مسلك الآباء بل علينا تتبع اصله لنتيقن من حقيقة اتباعه لأمر القرآن وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم

    ردحذف
  2. لماذ لا تشارك مراجعات في موقع goodread

    ردحذف