كنت في طريقي متجها إلى "قرن العلم"، حيث مقر عملي في صحراء عمان القاحلة. كان الطريق - وهو نفس الطريق المؤدي إلى صلالة - طويلا و شاقا، غير أنه كان ممتعا لانعدام المعالم الطبيعية فيه، فلم تكن هناك جبال تحجب الرؤية ولا رمال تعكس ضوء الشمس ... فقط أٍرض فضاء باعوجاجات تحكي تاريخا جيلوجيا موغلا في القدم. كان سبب متعتي بهذا الفراغ هو اختلافه عن المألوف الذي تعودنا عليه ونراه كل يوم، فمسقط محاطة بالجبال من كل صوب والرمال نمر عليها بكرة و عشيا، ولكن الفراغ و الهدوء أبعد ما يكونان عن هذه العاصمة .
أعجبني الهدوء، فقد كانت الأفكار و الأحلام سهلة التحقيق و المنال، وكنت أحقق في ذهني مشروعا لأتبعه بآخر اكبر منه دون كبير جهد مني، ولكنني لم أكد أذهب في هذه الأفكار بعيدا حتى قطع علي مشهد الحادث حبل أفكاري و أعادني بسرعة إلى أرض الواقع! كان الذي رأيت هو المشهد الأخير فقط لهذا الحادث المروع الذي علمت فيما بعد بأنه وقع قبل بضعة أيام. أوقفت السيارة بقرب الموقع و اقتربت من حطام السيارة و الشاحنة ... كنت أهاب رؤية الدماء و أتوجس منه، ولكني لم أجد مناصا من الاقتراب لأخذ بعض الصور للإعتبار و ليعتبر غيري ... بالمشهد طبعا لا بالتفاصيل التي لا أعلمها.
أخذت الصورة الأولى و أتبعتها بالثانية ثم الثالثة ... و فجأة قطع صوت أنثوي حبل أفكاري و انتزعني انتزاعا مما كنت فيه، قالت: "لا تصور ... أريد أمر"!
ومرة أخرى أهبط إلى أرض الواقع بعدما كنت غارقا في أفكار أشد حلكة من سواد الليل متخيلا ما أصاب ضحايا هذا الحادث ... غير أن الصدمة هذه المرة كانت مختلفة عن الصدمة التي سبقتها، فقد كانت لجمال المشهد لا بشاعته، فأنا لم أتصور قط أن تنجب هذه القفار القاحلة اليابسة شيئا بهذا الحسن و البهاء الذي ظهر جليا واضحا من خلف "البرقع" الذي فشل تماما في إخفاء ما وراءه، وكأنه سحابة فشلت في منع أشعة الشمس من الأرض، أو ككف تحاول الحفاظ على ما فيها من ماء دون أن تسعفها فراغات الأصابع! كانت نظرتي الأولى والوحيدة، غير أنها كانت كافية لقلب موازين الجمال و القبح التي كنت أؤمن بها قبل تلك اللحظة!
غلبني الحياء فلذت عائدا إلى السيارة لأكمل طريقي الذي بدا أشد قفارا من ذي قبل، و الغريب هو أنني نسيت تماما مشهد الحادث المروع لمشهد أروع منه، فقط لأتيقن بأن وقع الأشياء الجميلة يكون أشد من تلك القبيحة... و دوامها في النفس قد يكون أطول!
ملاحظة: لا أدري حقيقة لم كتبت هذا المقال، أمن أجل الحديث عن الصورة التي التقطتها أم ...!
الله يسلم الجميع من شر الحوادث
ردحذفسعدت بتصفح مدونتك و ننتظر المزيد!
تقبل تحياتي...
القلب و ما يهوى...
ردحذفانتظر جزاك بعدين .. لما توصل البيت ..
ردحذفجالس تتغزل في البدويات .. وا غيابك ..
الرحبي ... لو ملكنا مفاتيح قلوبنا لما وقعنا في الهوى كما يقع الذباب على الطعام!
ردحذفمعاوية ... بعدني كم يوم في الصحراء ... يعني شيء وقت لأتدارك الموقف. D:
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفزاد الجمال شنْشَنَه *** ضبيٌ تَربّى في شَنه
ردحذفلو عرفت من قال هذا البيت لادركت بان البيئة البدوية تنتج جواهر تفوق الوصف ... لدرجة ان اصحاب الاباب والعقول تخور قواهم على اطراف رموش حسناوات البداوة
مهذوننا العسكري قائل هذه الأبيات الشيبه السالمي على ما اظن، وأعتقد أن ظبي شنه
ردحذفنعم هو بعينه الشيبة السالمي
ردحذفوالضبي المقصود في شنه هي احد الحسناوات البدويات انشد فيها قصيدة مطلعها ذلك البيت
وعندما عاد الشيبة الى الرستاق على ما اظن عاتبة اهل العلم وقالوا له كيف تتغزل في فتاة وانت الشيخ عالم وعلامة فاهم؟؟
فقال لهم: الم يقل الله عز وجل في محكم كتابة [واما بنعمة ربك فحدث] فها انا ذا احدثكم بنعمة ربي فسكتوا جميعاً
القصة رائعه والقصيدة اروع
والقصة اطول من هذا السرد ولكن هذا ما يحضرني منها الان
المهذون العسكري ... أمتعتنا حقا بالقصة!
ردحذفوالغزل هو بوح لما في القلب ولا أظن رجل من الرجال يعدم قلبه شيء من الهوى و العشق، ولو كان عالما بصيرا أو شيخا كبيرا.
أذكر أنني قرأت لجدي بيتين من الشعر لم أصدق بأنه قائلهما لما فيهما من غزل. ;)
أشكر مرورك و تحية لأخي يعقوب الذي يجلس "في العريش المقابل لكتيبة الصحراء العسكرية "
:)
( لأتيقن بأن وقع الأشياء الجميلة يكون أشد من تلك القبيحة... و دوامها في النفس قد يكون أطول!)
ردحذف..
كل شيء من حولنا جميل ؛
إنهما العينان ..
أحيانا ينعميان عن رؤيته ..
ليلى
إن العيون التي في طرفها حور ** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
ردحذفيصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به**وهنّ أضعف خلق الله إنسانا
اخي سعيد :)
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله
تصوير رائع! وكأنما نحن معك :)
إنما ما بحت به مكنون في صدور معظم الرجال، المتزوجون منهم والعزاب، عند مرور اي حسناء امامهم!
وانها لطبيعة الرجل كما خلقه الله، ولذلك شرع الزواج بأكثر من واحدة!
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك
أخوك،
ابو إبراهيم! :)
هل كان عليك ان تستتر بصورة الحادث حتى تبوح بما اعترى فؤادك ؟
ردحذفقد تكون نظرتك " الأولى و الوحيدة " لكن الذاكرة الدائمة في معالج دماغك .. ستظل تعزف لحنا من أحلان البدو الحميمة..
بداية جميلة لعالم البوح للجمال الانثوي وبه :)
أستاذي سعيد:
ردحذفلو كتبنا أو نطقنا بكل ما اعتلج في نفوسنا لإتهمنا بالجنون أو الزندقة ولكن إحبسه في جنبات قلبك وإحتسب أجرك عند الله وتذكر قول الشاعر:
يا خاطب الحـور الحسان وطالبا*** لوصـالهن بجنـة الحيـوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبـ***ـت بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها جعلـ***ـت السعي منك لها على الأجفان
ولقد وصفت طريق مسكنها فان*** رمت الوصال فلا تكن بالواني
أسرع وحدث السير جهدك انما*** مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق وحدّث بالوصال النفس وابـ***ـذل مهرها ما دمت ذا امكان
واجعل صيامك قبل لقياها ويو***م الوصل يوم الفطر من رمضان
واجعل نعوت جمالها الحادي وسر*** تلقي المخاوف وهي ذات أمان
واسمع وصف حسناوات الدنيا !!!
ردحذفيا مطلق الطرف المعذب في الألى*** جردن عن حسن وعن احسان
لا تسبينّك صورة من تحتها*** الداء الدوي تبوء بالخسران
قبحت خلائقها وقبح فعلها*** شيطانه في صورة الانسان
تنقاد للأنذال والأرذال هم*** أكفاؤها من دون ذي الاحسان
ما ثم من دين ولا عقل ولا*** خلق ولا خوف من الرحمن
وجمالها زور ومصنوع فان*** تركته لم تطمح لها العينان
طبعت على ترك الحفاظ فما لها*** بوفاء حق البعل قط يدان
ان قصر الساعي عليها ساعة *** قالت وهل أوليت من احسان
أو رام تقويما لها استعصت ولم*** تقبل سوى التعويج والنقصان
أفكارها في المكر والكيد الذي*** قد حار فيه فكرة الانسان
فجمالها قشر رقيق تحته*** ما شئت من عيب ومن نقصان
نقد رديء فوقه من فضة*** شيء يظن به من الأثمان
فالناقدون يرون ماذا تحته*** والناس أكثرهم من العميان
أما جميلات الوجوه فخائنا***ت بعولهن وهن للأخدان
والحافظات الغيب منهن التي*** قد أصبحت فردا من النسوان
فانظر مصارع من يليك ومن خلا*** من قبل من شيب ومن شبان
وارغب بعقلك أن تبيع العالي الـ***ـباقي بذا الأدنى الذي هو فان
إن كان قد أعياك خود مثل ما*** تبغي ولم تظفر الى ذا الآن
فاخطب من الرحمن خودا ثم قد*** م مهرها ما دمت ذا إمكان
ذاك النكاح عليك أيسر أن يكن*** لك نسبة للعلم والايمان
نعم أخي سعيد قرأت أبيات الغزل الذي كتبها جدنا, راائعة... أما وصفك للبدوية فهو أروع! تذكر المسلم حلاله أربع...تشجع :]
ردحذفالأخ تاشفين ما كل ما يعتلج في الصدر يستطيع الإنسان حبسه وإلا أنفجرنا
ردحذفالغريب في أننا نسينا تماما الحادث المروع وأتجهنا صوب البدوية الحسناء
ربما لأن الله خلقنا هكذا نحتفظ بالجمال وننسى الرعب رحمة بنا