27 نوفمبر 2008

ألم يحن وقت المظاهرات بعد ؟!





لم يدر في خلدي أن يأتي اليوم الذي تلام فيه الشعوب على سلبيتها التامة في التفاعل مع قضايا الأمة الكبيرة، و قضية فلسطين تحديدا، لارتباطها الوثيق بعاطفة المسلم و عقيدته. نعم، أتفهم أن لا يتحرك الحكام إزاء ما يدور في غزة فليس ذاك بغريب على أنظمة لا تملك أمرها. ولكن أن يطال الصمت و السلبية إلى شعوب بأكملها فهذا ناقوس خطر علينا قرعه بشدة ... و ربما قسوة إن اقتضى الأمر!

كانت انتفاضة الأقصى الثانية و مقتل محمد الدرة ثم إيمان حجو على أيدي القوات الصهيونية سببا مباشرا لمظاهرات انطلقت من جامعة السلطان قابوس في نهاية عام ٢٠٠٠ و منتصف عام ٢٠٠١. وكان الشارع العماني متفاعلا مع هذه المظاهرات و متلهفا للمشاركة فيها كونها كانت المتنفس الحقيقي للتعبير عن حالة الغضب العارم و المشاركة العاطفية و والوجدانية مع شهداء فلسطين و أهلها الذابون عنها. فكان الشيخ الكبير يمشي جنبا إلى جنب مع الشاب و الطفل و المقعد، الكل يصرخ و يهتف "سحقا سحقا يا يهود جيش محمد سوف يعود" أو يصيح "بالروح و الدم نفديك يا أقصى" دون كلل أو ملل، رغم المسافات الطويلة التي كانت تتخذها مسارات هذه المظاهرات. بل حتى النساء شاركن أزواجهن و أبنائهن و آبائهن في هذه المسيرات!

كانت شرارة المظاهرات في الخليج بدأت في عمان، ثم انتقلت إلى البحرين و السعودية و الامارات وقطر تباعا. كم مظاهرة خرجت من رحم الجامعة، وكم مظاهرة سيرت في شارع الوزارات وانتهت بصد المتظاهرين ومنعهم من الاقتراب من السفارة الأمريكية، و كم مظاهرة خرجت بعد محاضرة لسماحة الشيخ عندما كانت فلسطين هي لب الحديث. حتى النساء كان لهن نصيب من هذا الحراك حين نظمن مظاهرة نسوية ضد الاعتداءات الصهيونية على مخيم جنين!

كانت الرسالة إلى المجتمع الدولي واضحة: لن نرضى بالوقوف صامتين أمام الجرائم الإسرائيلية و الصمت العربي ... فتفاعلت الأنظمة مع هذا الحراك وهذه العواطف، فأغلق مكتب التمثيل التجاري لإسرائيل في عمان في التفاتة رائعة من سلطان البلاد إلى العاطفة التي ملأت كل بيت عماني. وتغير بعدها دور شرطة مكافحة الشغب من الضرب بالهراوات و الغاز المسيل للدموع في أول مظاهرة إلى محاولة لتنظيم المظاهرات و المتظاهرين و إخلاء الشوارع لهم! وقامت الجرائد من عثرتها على استحياء لتنشر أخبار هذه المظاهرات في الصفحة الأولى بدلا من الاعراض عنها وتجاهلها رغم ما كانت تبثه القنوات الفضائية عنها!

فأين ذهبت تلك الحمية التي أصابت عمان من أقصاها إلى أقصاها آن ذاك؟! هل أعمتنا بهارج الدنيا و زخرفها و زينتها عن رؤية المصيبة الجاثمة على صدور أبناء غزة؟ هل ماتت ضمائرنا فشحت النفوس ولو بكلمة مؤازرة و انتصار واحدة؟ أين اختفت تلك المشاعر الجياشة التي أبكت كثيرا من النساء و الرجال وهم في بيوتهم يتمنون أن لو كانوا مع المتظاهرين ؟ كم من هاتف كان يُرفع وسط هذه الجموع لنقل الهتافات التي كانت تخرج بصوت رجل واحد لكي يشارك أهل بيته هذه الانتفاضة!

ثقافة التعبير عن الرأي من خلال المظاهرات سمة حضارية تستخدمها كل شعوب الأرض، وهي الطريقة الامثل لإبقاء النفوس حية و متفاعلة مع ما يدور في العالم، وقد تكون الطريقة الوحيدة لإخبار شعب فلسطين بأن ما يصيبهم يؤرقنا كما يؤرقهم و يؤلمنا كما يؤلمهم، وأننا لا نرضى أن نقف مكتوفي الأيدي و مليون و نصف المليون فلسطيني محاصر و يواجه خطر الموت جوعا أو مرضا. إنها رسالة العواطف يا سادة في وقت يحتاج فيه أهل غزة إلى من يتعاطف معهم، وهي رسالة الغضب لتعلم الانظمة بأن عليها أن تتحرك بما عندها من إمكانيات، وهي أخيرا رسالة الإنذار ليعلم الصهاينة بأننا شعوب ما زالت حية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق