12 نوفمبر 2008

حوار الأديان و ثقافة السلام




انتهى قبل قليل شيمون بيريز من إلقاء كلمته في مؤتمر حوار الأديان الذي دعا إليه الملك عبدالله بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية. ولا أبالغ إن قلت بأن إسرائيل قد حققت من خلال هذا المؤتمر ما لم تحققه منذ معاهدة السلام مع مصر. فها هو رئيس "دولة" إسرائيل يقف أمام عدة رؤساء عرب، ويوجه خطابا مباشرا إلى ملك السعودية، الذي استمع بإنصات إلى "رسول المحبة و السلام" شيمون بيريز، دون أن ينسحب كما نصت البرتوكولات العربية الغير معلنة!

وصف بيريز مثوله في قاعة واحدة أمام عدة رؤساء عرب لا تربطهم بإسرائيل اتفاقية سلام بأنه "حدث محوري" في تاريخ المنطقة و مستقبلها، وما لم يذكره بيريز - الذي رصع كلمته بحكم و أمثال تدعو إلى السلام و نبذ العنف - هو أن هذا الحدث هو المشهد الأشد خزيا و الأكثر عارا في جبين كل الدول العربية التي رضيت بالمشاركة في ظل الظروف الذي تعاني منه غزة الجريحة. ولم يقل بيريز أيضا بأن الهجوم الإسرائيلي الذي أوقع أربعة قتلى في صفوف المقاومة الفلسطينية صباح هذا اليوم هو جزء لا يتجزأ من رسالة إسرائيل في مؤتمر حوار الأديان مفاده أن هذه المؤتمرات لا تعني لهم شيئا البتة، و أن الحاضرون من العرب و زعمائهم لا يساوون جناح بعوضة عندها.

سأتجاوز رسالة إسرائيل و خطاب بيريز، و أتجاوز مهزلة تمثيل بيريز و ليفني ليهود العالم في هذا المؤتمر، فالمأساة يا سادة أكبر من هذا الخطاب وذلك التمثيل، إذ يبدو أننا نعاني خللا مركبا في العقلية التي تسير السياسة العربية في هذا العصر، أو ربما هو خلل في ضمير الأمة التي سمحت لشرذمة أن توصلنا إلى ما وصلنا إليه من ذل و مهانة. فما معنى أن تتبنى السعودية هذا المؤتمر و تسعى إليه و تدعو فيه إسرائيل في وقت يتعرض فيه أهل غزة إلى أبشع أنواع الحصار في العصر الحديث؟ كيف ظن العاهل السعودي أن يمكن الحديث عن السلام مع إسرائيل وهناك أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية ؟ ناهيك عن الجراح التي ما تزال تثعب دما، و الأرامل و الأيتام الذين لم تجف دموعهم بعد! كيف يمكن للملك أن ينسى مؤتمر أنابوليس الذي لم يجف حبر بيانه الختامي إلا و المستوطنات الإسرائيلية تكاد تقضي على ما تبقى من الضفة!

لو أتى هذا الحوار في ظروف أخرى، في أوج الانتفاضة الثانية مثلا أو بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حينما ساءت سمعة المملكة العربية بسبب الاتهامات المتعاقبة لها بنشر ثقافة العنف و الكراهية و تصدير الإرهاب، لكانت القراءة مختلفة ولتفهمنا سبب الدعوة لحوار الأديان. أما وقد جاءت في ظل الظروف الحالية فلا أستطيع فهم المكاسب الاستراتيجية التي ستكسبها الدول العربية عموما و السعودية خصوصا من هذا المؤتمر ؟! اللهم إلا إن كانت هذه المسرحية تهيئة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، تحت مظلة التسامح بين الأديان!

يبدو أن علينا أن نهيء أنفسنا لمرحلة جديدة لا نستغرب أن نرى فيها أعلام الصهاينة ترفرف في أراضينا. بل وعلى المقاومة الفلسطينية أن تتهيأ أيضا، إذ يبدو أنها ستضطر أن تواجه فيها الدولة العبرية لوحدها دون أن يكون لها سند في المحافل الدولية و الجامعة العربية. نحن مقبلون على مرحلة قد لا تنزف فيه دماء كثيرة، ولكن حتما فإن الكثير من كرامة الأمة العربية و الإسلامية ستزول، وسيكون غسل دماغ الشعوب بثقافة "السلام" الهم الأكبر للأنظمة العربية، ولن أستغرب إذا جاء اليوم الذي يسأل فيه الإبن أباه: أبتاه، ما معنى المقاومة؟ ولماذا يقاتل الإرهابيون إخواننا اليهود؟!

هناك تعليق واحد:

  1. سيقولون ها نحن
    ابناء عم
    قلهم
    إنهم
    لم يراعوا العمومة
    فيمن هلك
    واغرس السيف
    في جبهة الصحراء
    إلى ان يجيب العدم
    إنني كنت لك
    فارسا
    وأخا
    وملك

    ردحذف