13 مارس 2008

رأي الوطن - مجاملات أم جهل بالأحداث؟!


أود أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أنني لست من دعاة الرأي الواحد و القطب الواحد، فلكل‌ الحق في تبني وجهة النظر التي يؤمن بها، و الدفاع عنها و الانتصار لها. و الخلاف في الرأي - دون أن يفسد الخلاف الود - صورة من صور الوعي الحضاري، وهي ظاهرة صحية للشعوب الحية المتفاعلة و الفاعلة في الساحة الفكرية و السياسية و الاجتماعية. ولكن ليكون لأي وجهة نظر مصداقية فعليها أن تكون واقعية في الطرح و بعيدة عن المجاملات الرسمية ، وفوق هذا أن تكون قائمة على حقائق لا أوهام.

طالعتنا الوطن في افتتاحيتها البارحة مقالا بعنوان "حذار من الفخاخ الإسرائيلية"، و أنا أتفق مع ما جاء في المقال من تحذير من الفخاخ الإسرائيلية و لا أختلف مع الوطن حول هذه النقطة. ما أثار إستيائي هو أن الافتتاحية ضمت مغالطتين كبيرتين في حق الشارع المهتم بما يجري في الساحة الفلسطينية. و المغالطتين قد يكونا مجاملة رسمية و تبني للخط السياسي الرسمي و إما جهل بالأحداث و ما يجري على واقع الأرض. وفي كلا الحالتين هي مصيبة لجريدة من المفترض أن تكون متحررة فيما يصدر لها من آرآء حول ما يجري في الساحة الدولية - ناهيك عن الساحة الداخلية و لكنه موضوع آخر- وهي مصيبة أكبر إن كانت -كمؤسسة- لا تستطيع الإستفادة من قاعدتها البيانية و إستخراج وتقصي آخر ما استجد من أحداث ومعلومات.

تقول الوطن وهي تتكلم عن قادة فتح و رئيسها محمود عباس: ( وهم ايضا القادة الشرعيون للسلطة الوطنية الفلسطينية). و تقول أيضا: (فمن باب التذكير فقط يمكن القول ان هذه المساعي الاسرائيلية المشبوهة لتعميق الوقيعة بين فتح وحماس ستبوء بالفشل مع قادة حماس كما باءت بالفشل مع قادة فتح.فلن تنسى اسرائيل ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض اكثر من مرة استخدام العنف ضد حماس، وذلك على الرغم من الإغراءات الاميركية بإمداده بالسلاح والمال والعتاد اللازم لذلك)

في الأولى مجاملة صارخة و في الثانية جهل بالتقرير الصادر عن مجلة "فانيتي فيير" الأمريكية و التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك ضلوع عباس و من معه في حرب حقيقية و قذرة ضد خيار الشعب الفلسطيني. فمن المعلوم أن حماس هي التي فازت بثقة التشريعي و هي التي فازت في أحقية تمثيل الحكومة الفلسطينية. و لكن لأن خيار الشعب الفلسطيني - الديموقراطي - لم يعجب الغرب و العرب و عباس على حد سواء، فقد شاركوا جميعا في محاولة إقصاء حماس عن السلطة. ومن المعلوم أيضا أن حرب الحصار على غزة - حينما لفظت حماس قادة الفتنة خارج القطاع - كانت محاولة فاشلة لإرجاع قادة الفتنة وعلى رأسهم دحلان إلى غزة ليعيثوا فسادا كما فعلوا من قبل، من قتل على الهوية و مصادرة لحق المقاومة الشرعية. هذا فضلا عن قتل الشيخ مجدي البرغوثي عن طريق تعليقه من رجليه رأسا على عقب بأيدي حرس عباس شخصيا.

الخلاصة هو أن القيادة الشرعية للسلطة الفلسطينية ليست لعباس فقط ولكن لحماس أيضا كسلطة تشريعية من خلال المجلس التشريعي و كسلطة تنفيذية من خلال الحكومة الفلسطينية التي سُلبت منها سلبا، و أن عباس - وقادة إنقلابه - ضالعون في عملية تصفية حماس الجسدية وغارقون في القتل على الهوية.

هناك مغالطات أخرى - وحسنا في الظن نضعها في إطار الجهل بما يجري في الساحة - منها أن عباس قد تلقى إغراءات من أمريكا و الدولة العبرية بإمداده بالسلاح و العتاد لمحاربة حماس. فما زعمت الوطن أنها إغراءات هو في الواقع أمر حاصل و قد قبل به عباس - أسلحة تقدر قيمتها بملايين الدولارات- وقبل إستخدامها مستشار الأمن القومي الفلسطيني و رأس الفتنة الحاصلة في فلسطين محمد دحلان، بل و كانوا قد شرعوا في تدريب عناصرهم و تسليحها إستعدادا لسحق حماس عسكريا في غزة و إقصائها من السلطة لولا تنبه قادة حماس و حسمهم للأمر في صالح خيار الشعب الفلسطيني .

أنا لا أرضى للوطن هذه الزلة، وهي الجريدة العمانية الأقرب إلى الشارع العماني. فإستقلال الجريدة عن الخطاب و المجاملات الرسمية سيعطيها مصداقية أكبر، و لو على الساحة الخارجية إبتداء. ثم قربها من الحدث العربي الإسلامي الأهم في قلوب الجماهير و الاهتمام بآخر المستجدات الفلسطينية و فرزها و إبرازها سيكون له أثر إيجابي في تبني وجهات نظر هي أقرب إلى الواقع.

سعيد المسكري

٥ ربيع الأول ١٤٢٩ هـ

١٣ مارس ٢٠٠٨ مـ

الحارة العمانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق