28 يناير 2010

قصة ثور!


اليوم ... في وادي الرمال، أو "الصحراء" كما يحب الناس تسميتها، كان موعدنا مع شواء العيد، ذلك الذي يطبخ تحت الأرض بالضغط المتولد من الجمر.

دعاني عمال شركة الحفر مشاركتهم هذه الاحتفالية، احتفالية استخراج اللحم. لم تكن هناك بنادق ولا هتافات، فقط عيون منهكة تحاول تعويض ألم الفراق بمثل هذه المراسم الصامتة.

قبل أن نخرج الشواء، أعطاني أحدهم قفازا فلبسته. أما البقية فبقيت أكفهم عارية. ضحكت في نفسي وتذكرت بأن الله يحب تلك الأيادي الخشنة. أما يدي فقد أذبلتها النعمة.

أخرجنا الشواء، ثم نزعنا أوراق الموز التي حمت اللحم من الاحتراق، وبدأنا في تذوق الأحشاء المختلفة حتى وصلنا إلى الرأس، رأس الثور الذي نهشنا لحمه. كان كبيرا لدرجة أنني شعرت بأنه لوحده كان سيكفي هذا الجمع البائس. أمسك أحدهم به وشقه بيسر ليخرج لنا أحشاء مخه البيضاء.
مد الجميع أيديهم إلى "المخ" المتناثر، أخذت قطعة صغيرة وفغرت فاهي كي ألتقمها، وهنا توقفت للحظة أتأمل:

" ما الفرق بين أمخاخنا - نحن البشر - ومخ الأنعام؟ فكلاهما يقوم بالوظيفة ذاتها!
إذا ما شعرنا بالجوع، فذلك لأن المخ يخبرنا بذلك وهكذا الأمر عند الأنعام.
وإذا شعرنا بالعطش، فذلك لأن المخ يخبرنا بأن أجسامنا ينقصها شريان الحياة وهكذا الأمر عند الأنعام.
نشعر بحاجتنا للأنثى لأن المخ يصور لنا حسنها وجمالها، ولا يختلف الأمر عند الأنعام كثيرا.

رغباتنا الأخرى، الجنسية و العاطفية، نشعر بها - لا من جلودنا طبعا - ولكنه ذلك المخ الذي يتحكم بوظائفنا البيلوجية ويترجم حاجاتها ورغباتها لأرواحنا فنتصرف إثر فهم الحاجة بالكيفية التي نراها مناسبة.

هل يكون الفرق إذن بين أمخاخنا وأمخاخ الأنعام أننا نتحكم في تصرفاتنا ونقيدها بينما الأنعام لا تملك تلك الحكمة؟

غريب حقا ... فقلما أجدني أتحكم برغباتي المختلفة، فأنا دائما أطلق لنفسي العنان في كل شيء، وإن لم يشعر من حولي بذلك، فهل يعني هذا أن لا فرق بين مخي ومخ ذلك الثور؟!"

قطبت جبيني إثر وصولي لهذه النتيجة وتوقفت عن التفكير. وضعت اللقمة في فمي وبلعتها.

مر خاطر سريع: "هل سأعترف بثوريتي بعد هذه اللقمة؟".
* *

في المساء فتحت عيني على تراب الأرض، والأفق يمتد حيث وليت.
وجدتني أمشي على أربع، بالقرب من ذلك الثور، وسط قطيع من الثئران.
تبادلنا أنا وهو النظرات، ثم شرعنا في الركض...
عندما سبقته، والقطيع من خلفه، حينها شعرت بأنني حُرّ!
**
ملاحظة: في بعض الأحيان نكون ثيرانا، ولكن نخشى أن نعترف بذلك.

هناك 3 تعليقات:

  1. أن يتوصل شخص إلى هذه النتائج فإن ذلك يؤكد حقيقة واحدة على الأقل: انه لم يكن "ثوريا" أو "متثورا" خلال لحظة التأمل والإستنتاج تلك التي اوصلته للنتيجة..

    ملاحظة: في بعض الأحيان نكون ثيرانا، ولكن نخشى أن نعترف بذلك. ملاحظة قوية جدا! أوافقك الرأي! =)

    ردحذف
  2. ربما...

    ولكن أيضا قد يكون التقارب "الفلسفي" المسبق بيني وبين الثور ساعد في الوصول إلى تلك النهاية المأساوية. أي أن الأمر لم يكن تأملا قدر ما هو إقرار بواقع.

    ;-)

    ردحذف
  3. هل الثور يلهم كل هذه الأفكــار؟؟!
    السؤال الأهم..من يفكرنحن أم الثور؟!

    أن نكون ثيرانا ولا نعترف..ذلك لأننا
    لا نعترف بالثور وقيمته الفلسفية ;)

    اشتقنا حروفك أستاذي

    ردحذف